Uncategorized

المغرب يشهد ولادة أسلوب جهوي جديد في التنشيط الثقافي

في زمنٍ تتلاشى فيه الحدود بين الفعل الثقافي والفعل التنموي، يُقدّم الفاعل الثقافي سعيد المطيع رؤية متكاملة ومتناسقة للتظاهرات الفنية بالمغرب، تُجسِّد انتقالًا نوعيًا نحو اقتصاد المعرفة، وتعتمد على استثمار الفضاء العمومي كمساحة للتعبير، والمصالحة، والإشراق الجماعي.

من ساحة تامري بتالويكاند في أكادير، إلى تالكيتارت، فـتيفاوين بتافراوت، ووصولًا إلى تيفلوين بتيزنيت، يتبلور أسلوب مغربي جهوي ناشئ، يستلهم تنوع المجال السوسي، ويتفاعل مع خصوصياته الثقافية، ويتكامل في خطابه ومقاصده، ليبني نموذجًا تربويًا-ثقافيًا-اجتماعيًا يتجاوز منطق الفرجوية الموسمية، نحو مقاربة دامجة تشاركية.

أسلوب ينبني على التلقائية، والاندماج، والذكاء الجماعي، ويُراكم بالتجريب والميدان، ويمنح للجمهور وللفاعل المحلي موقعًا مركزيًا في التصميم والإبداع، بدل أن يكون مجرد “متلقي”.

وتُمثّل احتفالية تيفلوين بتيزنيت التي يشرف على طاقمها الفني سعيد المطيع، المثال الأبرز لهذا التحول، في صيغته الأكثر نضجًا، إذ تجتمع فيها عناصر التنسيق الجهوي، والرؤية التأطيرية الواضحة، والانفتاح على الفعل الجماعي المتكامل.

  1. عبقرية استثمار الفضاء العمومي:

العديد من نقط العرض موزعة بعناية تخلق دينامية حركية متحررة من نمطية التلقي الكلاسيكي.

وتلتقي هذه المقاربة في روحها مع تجارب مماثلة بتافراوت (في تيفاوين) وأكادير (في تالكيتارت)، حيث يتم تحريك المدينة أو القرية كمجال للعرض، لا كمجرد منصة. إنها المدينة التي تُمثّل ذاتها من خلال فنونها وسكانها.

  1. الإبداع التأطيري والإخراجي المشترك:

تتقاطع برمجة “تيفلوين” مع برمجة “تيفاوين” و”تالويكاند” في نقط جوهرية:

تنوع العروض: من الصوفية إلى أحواش، من الحكي إلى الأوراش التكوينية، من فنون التشكيل إلى التصميم البصري والماكياج….

الرؤية الإخراجية الحديثة: العرض في الفضاءات غير المألوفة، استخدام التقنيات المعاصرة، إبراز العلامات البصرية الجديدة (كما في إطلاق الهوية البصرية لتيزنيت).

“سوق الإبداع” – Souk Créa: ليس سوقًا للمنتوج، بل ساحة للأفكار والتفاعل، وهو ما يمكن توسيعه في باقي المدن لتبادل التجارب وتوسيع دوائر النقاش.

  1. لكل جيل لغته، ولكل فئة فضاؤها:

الأطفال: بورشات الرسم، والنحت، والألعاب الأمازيغية التقليدية.

النساء: من خلال “ترزيفت”، والمأكولات الجماعية، وحرف الأمل.

الشباب والمبدعون: عبر لقاءات، عروض تفاعلية، ومقاهي فكرية مفتوحة.

  1. نحو تدبير جهوي تشاركي للثقافة:

لقد أثبتت هذه النماذج الثلاثية – أكادير، تافراوت، تيزنيت – إمكانية بناء تدبير جهوي منسق للتظاهرات، يعتمد على:

إشراك الفاعلين المدنيين والمؤسسات العمومية والخواص.

إسناد الدور التأطيري لفاعلين مجربين مثل سعيد المطيع، ممن راكموا خبرة ميدانية حقيقية.

خلق تقاطعات زمنية وبرمجية تسمح بتدوير الموارد والخبرات والطاقات البشرية والفنية والثقافية….
فماذا بعد؟

هل ستبقى دار لقمان على حالها؟
أم أن هذه التمرينات الميدانية الناجحة، بمجهودات وإردة شخصيات سياسية مواطنة ذاتية، واقتراحات تلقائية من فنانين متعلمين وعصاميين ، وجمهور مشارك وواعٍ، ستكون قاعدة لإرساء سياسة ثقافية عمومية جديدة، تواكب الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر المغرب – من كأس إفريقيا 2025 إلى مونديال 2030؟

إننا اليوم في لحظة مفصلية، حيث تلتقي الإرادة الإبداعية بالإمكانات الميدانية، وحيث يعرض المغرب أسلوبه الثقافي المتفرد، لا ليُرضي الآخر، بل ليُصالح ذاته أولًا، وينتصر لجمهوره، ويجعل من الثقافة حوارًا دائمًا مع المكان، والإنسان، والتاريخ.

الحبيب نونو
مخرج ومنشط ثقافي
تيزنيت – 03 يوليوز 2025

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button