Uncategorized

احتلال توات سنة 1900: سقوط السيادة المغربية بين مطامع الاستعمار وصمت المرحلة


عرفت منطقة توات الواقعة في الجنوب الغربي للجزائر الحالية، خلال القرون الماضية، ارتباطًا سياسيًا وروحيًا وثيقًا بالمغرب، خاصة خلال الفترتين السعدية والعلوية. وقد عيّنت السلطات المخزنية ممثلين لها (باشاوات وقيّاد) بهذه المناطق، لضمان الولاء السياسي، وجمع الضرائب، وحماية القوافل. إلا أن دخول القوات الاستعمارية الفرنسية إلى الجزائر سنة 1830 غيّر موازين القوى، وبدأت أطماعها تتوسع نحو الصحراء الكبرى، بما في ذلك مناطق توات وتيديكلت والڨورارة.

الباشا إدريس بن الكوري الشرادي الفاسي: آخر رموز السيادة المغربية في توات

كان الباشا إدريس بن الكوري الشرادي الفاسي من آخر الباشاوات الذين مثّلوا السلطان المغربي في منطقة توات. وقد عرف بصلابته وحنكته السياسية، وتمكن من الحفاظ على الاستقرار في المنطقة رغم تصاعد التهديدات الفرنسية. لكن مع حلول سنة 1900، بدأت الأمور تتجه نحو تصعيد خطير، بعد أن قررت فرنسا بسط نفوذها بالقوة على كامل الصحراء الكبرى.

معركة إينغر 1900: بداية النهاية

كانت معركة إينغر التي دارت رحاها سنة 1900 في منطقة تيديكلت (شرق توات، بين أولف وعين صالح)، نقطة التحول الحاسمة. فقد تمركزت القوات الفرنسية في تلك المناطق تحت ذريعة “تأمين القوافل”، واصطدمت مع المقاومة المحلية التي كانت تحظى بتأييد رمزي ومادي من طرف المخزن المغربي. إلا أن هذه القوات، المعززة بفصائل من “الصبايحية” الجزائريين (وهم جنود جزائريون خدموا في الجيش الفرنسي)، تمكنت من إلحاق هزيمة نكراء بالقوات المغربية المحلية.

عزل الباشا واحتلال توات

عقب الهزيمة، سارعت القوات الفرنسية إلى دخول توات وفرض سيطرتها عليها بشكل فعلي. وكان من أولى خطواتها عزل الباشا إدريس بن الكوري، ممثل السلطان، في إهانة مباشرة للسيادة المغربية. وتمت عملية العزل بشكل قسري على يد فرق “الصبايحية”، مما شكّل صدمة كبرى للساكنة المحلية التي كانت ترى في الباشا امتدادًا للشرعية الدينية والسياسية.

الموقف المغربي الرسمي: التردد والصمت

رغم خطورة الحدث، لم يصدر عن السلطان مولاي عبد العزيز موقف حاسم في تلك الفترة، نظراً للضغوط الداخلية والإصلاحات المتعثرة، إضافة إلى تصاعد الضغوط الأوروبية، خصوصاً الفرنسية، على المخزن. وهكذا، تم ابتلاع منطقة توات تدريجياً ضمن النفوذ الفرنسي دون إعلان حرب رسمية، مما جعل سقوط توات أحد أشد النكسات الرمزية للمغرب في العصر الحديث.

الخاتمة: ذاكرة منسية تحتاج إلى استعادة

رغم مرور أكثر من قرن على احتلال توات، ما تزال هذه الصفحة منسية إلى حد كبير في الذاكرة الوطنية. إن استعادة هذا التاريخ، بما يحمله من دروس عن الصراع بين السيادة الوطنية والاستعمار، يعد أمرًا جوهريًا لفهم التحولات الجيوسياسية في المنطقة المغاربية، ولإعادة الاعتبار لرموز مثل الباشا إدريس بن الكوري، الذين واجهوا آلة الاستعمار في صمت.


Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button