Uncategorized

🔴🟢||▪︎ المغرب في قلب التحولات الأمنية الدولية: مقاربة استراتيجية لقيادة استخباراتية متعددة الأبعاد

 بنعيسى بوزرود
في سياق دولي يتسم بتزايد التهديدات الأمنية العابرة للحدود، برز المغرب كفاعل محوري في منظومة الأمن الدولي، ليس فقط من خلال موقعه الجيوستراتيجي الرابط بين إفريقيا وأوروبا، ولكن أيضًا من خلال بنية استخباراتية فعالة يقودها عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. هذا الدور لم يعد مقتصرًا على البعد الوطني، بل تجاوز ذلك إلى المساهمة في إعادة تشكيل مقاربات الأمن الجماعي إقليميًا ودوليًا.

■ أولًا: المشروع الأمني المغربي كنموذج للحكامة الاستخباراتية

توضح الوثائق الميدانية (الخطاطات المرفقة) أن المشروع الأمني المغربي يستند إلى فلسفة مؤسساتية قائمة على الدمج بين الأمن الوقائي والمقاربة التنموية والاجتماعية، وهو ما جعل من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني نموذجًا فريدًا في التعامل مع التهديدات الجديدة مثل الإرهاب العابر للقارات، والجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية.

هذا المشروع، الذي تم تطويره منذ 2004 خاصة بعد التفجيرات الإرهابية بالدار البيضاء، بات مرجعًا استخباراتيًا لدول عدة، حيث اختار المغرب تفعيل ما يُعرف بـ”المخطط الأزرق”، وهو مخطط يرتكز على الربط بين المعلومة الدقيقة، والتحليل العميق، والتدخل السريع، ضمن منظومة متكاملة للحماية الوطنية والجهوية.

■ ثانيًا: تأطير التحديات الأمنية الجديدة عبر التعاون الدولي

جاءت مشاركة عبد اللطيف الحموشي في المؤتمر الدولي لمدراء الأمن والاستخبارات في مراكش كدليل إضافي على انخراط المغرب الفعّال في تعزيز الأمن الجماعي. وقد كانت مناسبة لتجديد التأكيد على أن الظاهرة الإرهابية لم تعد مسألة إقليمية، بل قضية عالمية تستلزم تعاونًا استخباراتيًا فعالًا وشراكات متعددة الأبعاد.

وقد شدد الحموشي، من خلال مداخلاته، على أهمية تقاطع التهديدات بين الساحل والصحراء وأوروبا، محذرًا من هشاشة الحدود التي تستغلها الجماعات الإرهابية، لا سيما في مناطق النزاع التي تعرف فراغًا أمنيًا أو هشاشة مؤسساتية.

■ ثالثًا: قراءة في منهجية المشروع الأمني المغربي (التحليل الاستراتيجي)

تشير الخطاطات التي أعددتها إلى أن المغرب يتبع أربع آليات استراتيجية كبرى:

  1. الرؤية الشمولية متعددة الفواعل: يتم إشراك مختلف المؤسسات الأمنية والمدنية في رسم الاستراتيجية، من خلال مركزية القرار وتوحيد الرؤية، وهو ما يُفسر تماسك الأداء الوطني في مواجهة الأزمات.
  2. تحليل التهديدات في أبعادها المتداخلة: لا يُنظر إلى الظواهر الأمنية بشكل منعزل، بل يتم إدماج العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية، ما يجعل القرار الاستخباراتي مغذى بتحليل استشرافي عميق.
  3. تقاطع المعلومة الميدانية مع المعالجة الرقمية: المشروع المغربي يُعدّ من بين المشاريع القليلة التي تمكّنت من دمج الذكاء الاصطناعي في تتبع شبكات الإرهاب والجريمة.
  4. الانفتاح على الشراكات جنوب-جنوب وشمال-جنوب: وهو ما تجلى في التعاون مع العديد من الدول الإفريقية والأوروبية، في إطار الاحترام المتبادل وتبادل الخبرات.

■ رابعًا: نحو دبلوماسية استخباراتية مغربية

لم يعد دور الأجهزة الاستخباراتية المغربية مقتصرًا على جمع المعلومات وتحييد التهديدات، بل تحوّل إلى فاعل دبلوماسي يساهم في صياغة السياسات الدولية للأمن. وقد أصبحت الرباط مركزًا دوليًا للحوار الأمني، وهو ما يعكسه تنظيم مؤتمرات دولية وجذب اهتمام قوى دولية مثل الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا، ودول الساحل الإفريقي.

خاتمة

إن النموذج المغربي في العمل الاستخباراتي يمثل مقاربة أمنية استباقية تعتمد على “الفعل الأمني النشيط”، في انسجام تام مع التحولات الدولية وتعدد التهديدات. وبهذا، يُرسخ المغرب مكانته كقوة استخباراتية وازنة، ويؤكد أن الأمن ليس فقط رهانًا داخليًا، بل أداة لبناء جسور التعاون والتأثير في المحيطين الإقليمي والدولي

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button