التسمم الغذائي في المغرب… شبحٌ يتجدد كل صيف

ارتفاع الحالات يضع السلطات الصحية والمواطنين في حالة استنفار دائم
مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تعود إلى الواجهة ظاهرة التسممات الغذائية التي تسجّل سنويًا أرقامًا مقلقة في مختلف ربوع المملكة، ما يستدعي دق ناقوس الخطر حول جودة الأغذية المعروضة للاستهلاك، خاصة في الفضاءات المفتوحة والمطاعم والأسواق العشوائية.
📈 ارتفاع موسمي في عدد الحالات
حسب المعطيات الصادرة عن المركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية التابع لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، فإن المغرب يسجّل سنويًا ما بين 1600 و 2000 حالة تسمم غذائي، تتركز غالبيتها خلال شهور الصيف. وتُشير أرقام المركز إلى تسجيل 341 حالة تسمم غذائي في سنة واحدة ضمن أكثر من 6000 حالة تسمم مختلفة تم التبليغ عنها.
وتُعد جهات طنجة-تطوان-الحسيمة والدار البيضاء-سطات من أكثر المناطق تضررًا، حيث سُجلت بهما نسب الإصابة الأعلى خلال السنوات الأخيرة.
☀️ الصيف… بيئة خصبة لانتشار البكتيريا
ارتفاع درجات الحرارة، وسوء حفظ المواد الغذائية، وتداولها في ظروف غير صحية، كلها عوامل تجعل من فصل الصيف أرضًا خصبة لانتشار الجراثيم والطفيليات، خصوصًا في:
- اللحوم والأسماك والدواجن غير المبردة،
- العصائر والمأكولات الجاهزة المعروضة في الشارع،
- مشتقات الحليب والبيض دون احترام سلسلة التبريد.
ويلاحظ أن بعض حالات التسمم الجماعي التي هزّت الرأي العام الوطني خلال السنوات الماضية، كانت نتيجة وجبات فاسدة في مناسبات اجتماعية أو في مؤسسات مدرسية صيفية.
🧪 التسمم المزمن… خطر غير مرئي
إلى جانب التسممات الحادة، يُحذر خبراء الصحة من التسمم الغذائي المزمن الناتج عن تراكم المواد الكيماوية، مثل المبيدات الحشرية والأسمدة، في بعض الخضر والفواكه، خاصة تلك التي تُعرض للبيع في الأسواق غير المراقبة. ففي يونيو 2024، تم تسجيل 12 حالة تسمم بإقليم تارودانت بسبب استهلاك بطيخ ملوث بمبيدات، ما أعاد الجدل حول مراقبة المنتجات الفلاحية وضمان سلامتها الاستهلاكية ، كما عرفت مدينة مراكش 20 حالة تسمم من جراء تناولهم أكلة سريعة من محل متخصص.
🏛️ جهود الدولة… لكنها غير كافية
في مواجهة هذا الوضع، أطلقت وزارة الصحة بشراكة مع باقي القطاعات الحكومية مشروع إنشاء 130 مكتبًا لحفظ الصحة العمومية، بميزانية تفوق مليار درهم، من أجل تعزيز الرقابة على الأغذية في الأسواق والمطاعم والفضاءات العمومية، وتوفير أطباء وتقنيين مختصين في السلامة الغذائية. كما تفعّلت فرق اليقظة الصحية والمراقبة الميدانية بشكل أكبر خلال موسم الصيف.
غير أن هذه الجهود، وعلى الرغم من أهميتها، تصطدم بعوائق عدة، منها ضعف التبليغ من طرف المواطنين، وقلة وعي بعض المستهلكين بخطورة الأطعمة الفاسدة، واستمرار انتشار الباعة المتجولين بشكل عشوائي دون مراقبة صارمة.
📞 أرقام مهمة… وخدمة الاستجابة السريعة
يدعو المركز الوطني لمحاربة التسمم كل المواطنين إلى التبليغ عن حالات التسمم فورًا عبر الرقم المجاني:
080 100 18 00
كما ينصح بتجنب الأطعمة المشبوهة، وغسل اليدين جيدًا قبل الأكل، وحفظ الأغذية في درجات حرارة مناسبة.
✅ توصيات أساسية للوقاية:
- عدم شراء الطعام من باعة مجهولي المصدر؛
- التأكد من نظافة أماكن إعداد الطعام؛
- احترام سلسلة التبريد في المنتجات الحساسة؛
- الانتباه لتاريخ الصلاحية وتخزين المنتجات في ظروف صحية؛
- تعليم الأطفال أسس السلامة الغذائية، خاصة أثناء المخيمات الصيفية.
رغم المجهودات المبذولة، يبقى التسمم الغذائي مشكلة صحية عامة متكررة في المغرب، تتفاقم صيفًا وتُهدد صحة الأفراد بشكل مباشر. والمطلوب اليوم ليس فقط تعزيز الرقابة، بل أيضًا نشر ثقافة وقائية جماعية تجعل من كل مواطن فاعلًا في الحفاظ على سلامته وسلامة مجتمعه.