مهرجان تزرزيت للثقافة والفن: إحياء لطقوس إيسمكان والتراث اللامادي بسوس

في قلب منطقة سوس، حيث تمتد جذور التراث الأمازيغي العريق، تبرز جمعية تزرزيت للثقافة والفن بأكادير كحارس أمين للتراث اللامادي، ومشعل يُضيء دروب الفنون والتقاليد القديمة. تأخذ الجمعية على عاتقها مهمة إحياء فن إيسمكان، ذلك الإرث الثقافي الذي يُجسد روح الهوية السوسية، من خلال مهرجان سنوي يجمع عشاق التراث والفن الأصيل.
إيسمكان: فن مقاومة النسيان
فن إيسمكان، الذي يُعتبر أحد أبرز التعبيرات الفنية والروحية بمنطقة سوس، يمزج بين الموسيقى، الرقص، والطقوس الجماعية التي تحمل دلالات تاريخية واجتماعية عميقة. وهو ليس مجرد فن للترفيه، بل هو رسالة تحمل في طياتها قيماً جماعية، أساطير قديمة، وحكايات الأجداد التي تتوارثها الأجيال.
ومن بين أبرز الطقوس التي يهتم بها مهرجان تزرزيت، يبرز طقس “توميت نسمكان” أو ما يُعرف بـ“الزميطة”، وهو طقس احتفالي فريد يجسد الوحدة والتضامن بين أفراد المجتمع.
توميت نسمكان (الزميطة): طقس الوحدة والتآزر
“توميت نسمكان” أو “الزميطة” هو أحد الطقوس الجماعية التي تُمارس خلال الاحتفالات بإيسمكان، حيث يجتمع المشاركون في حلقة دائرية، يتشاركون فيها الأكل من إناء واحد كتعبير عن التكافل والتآخي. هذا الطقس، الذي يرمز إلى الوحدة والتضامن الاجتماعي، يُعد من أكثر اللحظات تأثيراً في المهرجان، حيث يُذكّر بالأيام التي كان فيها المجتمع السوسي يعتمد على التعاون في كل مناحي الحياة.
تتناقل الأيدي الزميطة (خليط من دقيق الشعير والزيت والعسل أو الثمر) كطقس يقطع مع الفردانية ويعيد إحياء قيم التشارك. كما يصاحب هذا الطقس إيقاعات الطبول والغناء الجماعي، مما يخلق جوّاً من الاندماج الروحي والفرح المشترك.
جمعية تزرزيت: حراس التراث السوسي
تحرص جمعية تزرزيت للثقافة والفن، تحت إدارة ثلة من الخبراء والناشطين الجمعويين، على إبراز هذا التراث من خلال أنشطة متنوعة تشمل ورشات تحسيسية، عروض فنية، وأمسيات ثقافية تشرح للأجيال الجديدة أهمية الحفاظ على هذا الإرث.
يقول أحد مؤسسي الجمعية: “إيسمكان ليس مجرد فن، بل هو هويتنا. ومن خلال المهرجان، نريد أن نُظهر للعالم أن تراثنا لا يزال حياً، وأن طقوساً مثل الزميطة تُذكرنا بأننا مجتمع واحد، متحد رغم كل التحديات.”
خاتمة: تراث يستحق الحماية
في زمن العولمة والتطور التكنولوجي المتسارع، تظل مثل هذه المهرجانات والطقوس التقليدية جسراً يربط الماضي بالحاضر، ويضمن عدم اندثار التراث اللامادي. جمعية تزرزيت، من خلال إحيائها لطقس “توميت نسمكان” وفن إيسمكان، تقدم نموذجاً ناجحاً لكيفية الحفاظ على الهوية الثقافية بطريقة عصرية وجذابة.
يبقى التحدي الأكبر هو دعم مثل هذه المبادرات، ليس فقط من قبل المهتمين بالتراث، بل أيضاً من طرف المؤسسات الرسمية، لأن فقدان مثل هذه الطقوس يعني فقدان جزء من الروح الجماعية التي ميزت مجتمع سوس لقرون.












