شتوكة آيت باها وتحديات الهجرة الإفريقية: واقع معقد في حاجة إلى حلول متوازنة

شهد إقليم شتوكة آيت باها في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة في مراكز حضرية مثل آيت عميرة، سيدي بيبي، بلفاع وبيوكرى. وتشير معطيات ميدانية حديثة إلى أن جهة سوس ماسة تضم آلاف المهاجرين الذين يستقر كثير منهم في شتوكة بسبب فرص الشغل المتاحة في القطاع الفلاحي، وإن كانت هذه الفرص غير منظمة بشكل كاف.
الوافدون، الذين يأتون من مناطق تواجه اضطرابات سياسية واجتماعية، اختاروا الاستقرار أو التوقف المؤقت داخل الإقليم، ما أوجد واقعًا ديموغرافيًا جديدًا يتميز بتحديات متشابكة. من الناحية الاقتصادية، أدى تزايد العمالة الأجنبية إلى تغيير موازين سوق الشغل، خصوصًا في القطاع الفلاحي، حيث يعمل عدد كبير من المهاجرين بأجور يومية منخفضة مقارنة بالعمال المغاربة، مما يشجع بعض المستثمرين على تفضيلهم ويزيد من معدلات البطالة بين الشباب المحليين.
على الصعيد الاجتماعي، يُعدّ مركز آيت عميرة نقطة تجمع رئيسية لهؤلاء المهاجرين، حيث تشهد المنطقة احتكاكات محدودة أحيانًا ناجمة عن الاكتظاظ والتهميش، ما استدعى تدخلات أمنية وتنظيمية متكررة. في المقابل، تُظهر مناطق أخرى مثل بلفاع وسيدي بيبي وبيوكرى استقرارًا نسبيًا في استقبال المهاجرين، يعود جزئيًا إلى توازن أفضل في توزيع السكان.
وللحد من تداعيات التوترات الاجتماعية وتعزيز الإدماج، نظمت جماعة بلفاع لقاءات ودورات تكوينية بإشراف أكاديمي، تستهدف المهاجرين لتعريفهم بالقوانين وتعزيز التعايش والتواصل الثقافي. كما شهدت آيت عميرة مبادرات رياضية ثقافية ذاتية التنظيم من طرف المهاجرين أنفسهم، مثل دوري رمضان ودوري عيد الأضحى، بمشاركة فرق من جنسيات مختلفة، مما خلق أجواء احتفالية ومشاركة جماهيرية تعكس روابط ثقافية واجتماعية قوية.
ومع هذه الحيوية الاجتماعية، يطرح المشهد أسئلة حول مدى اندماج هذه الفئات في المجتمع المغربي أو احتمال تكوين مجتمعات موازية داخل النسيج الاجتماعي المحلي، مما يستوجب تفعيل آليات دمج قانونية واقتصادية واجتماعية شاملة ضمن رؤية وطنية متكاملة للهجرة.
كما يبرز نقاش حول تسجيل مواليد المهاجرين في سجلات الحالة المدنية المغربية، وتأثير ذلك على قضايا الجنسية والهوية القانونية، خاصة في ظل غياب سياسة شاملة تنظم هذا التغير الديموغرافي.
يحتاج هذا الواقع المعقد إلى مقاربة وطنية متوازنة توازن بين الحقوق والواجبات، تحمي استقرار المجتمعات المحلية وتحترم كرامة المهاجرين، وتعزز من فرص الإدماج الفعّال. فشتوكة آيت باها لم تعد مجرد إقليم فلاحي، بل أصبحت مختبرًا حقيقيًا لتجربة التعايش بين الهويات المتعددة والتنوع الثقافي، الأمر الذي يتطلب تدخلاً مؤسساتيًا ذكيًا ووعيًا جماعياً لمنع تفاقم الظواهر الاجتماعية ولضمان تنمية شاملة ومستدامة.