الولايات المتحدة تتجه إلى فصل قيادة “أفريكوم” عن أوروبا.. والمغرب مرشح بارز لاحتضان مقر القيادة الجديدة

تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو إعادة هيكلة استراتيجيتها العسكرية في القارة الإفريقية، من خلال فصل القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا “أفريكوم” عن القيادة الأمريكية في أوروبا، في خطوة وُصفت بالتحول الاستراتيجي العميق، تعكس رغبة واشنطن في تعزيز تموقعها المباشر في إفريقيا، في ظل تصاعد التحديات الأمنية والمنافسة الجيوسياسية المحتدمة مع كل من روسيا والصين.
تأتي هذه الخطوة بعد مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخرًا على تعيين قائد جديد لقيادة “أفريكوم”، سيتمتع بصلاحيات مستقلة عن القيادة الأمريكية المشتركة في أوروبا وإفريقيا (USAREUR-AF)، وهو ما من شأنه أن يُوفر مرونة أكبر في اتخاذ القرار العسكري الخاص بالقارة الإفريقية، ويُمكّن القيادة من تكييف عملياتها بشكل مباشر مع خصوصيات السياق الأمني المتغير والمتقلب في عدد من المناطق الإفريقية.
في ظل هذا التوجه، تُعد المملكة المغربية من أبرز المرشحين لاحتضان المقر الجديد لقيادة “أفريكوم”، وذلك بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين أوروبا وإفريقيا وأمريكا، بالإضافة إلى شراكتها الدفاعية المتقدمة مع الولايات المتحدة، وتجربتها الطويلة في تنظيم مناورات “الأسد الإفريقي”، التي تُعد من بين أكبر المناورات العسكرية متعددة الجنسيات على مستوى القارة.
وقد كشفت صحيفة “لاراثون” الإسبانية عن وجود دراسة أمريكية جدية تُرجّح نقل مقر “أفريكوم” من مدينة شتوتغارت الألمانية إلى المغرب، وتحديدًا إلى قاعدة عسكرية في مدينة القنيطرة، كجزء من رغبة واشنطن في تعزيز تعاونها الأمني مع حلفائها الأفارقة بعيدًا عن القيود والاعتبارات السياسية التي تفرضها بعض العواصم الأوروبية.
وكانت قاعدة “روتا” في جنوب إسبانيا من بين الخيارات المقترحة، إلا أن مصادر مطلعة أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية لم تُبدِ نفس الحماسة لهذا الخيار، في ظل تغير أولوياتها الاستراتيجية، وحرصها على تقوية تموضعها العسكري في القارة الإفريقية، خصوصًا بعد بروز فواعل غير حكومية، وانتشار النزاعات العابرة للحدود، وتصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
تعكس هذه المؤشرات متانة الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن، والتي تعززت في السنوات الأخيرة من خلال تحديث منظومة الدفاع المغربية، وتوسيع مجالات التعاون في مجال محاربة الإرهاب، وتبادل الخبرات العسكرية، وتدريب القوات الخاصة.
وفي تقرير صادر عن معهد شيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية، تم التأكيد على أهمية المغرب كحليف موثوق في حماية المصالح الأمريكية في غرب إفريقيا، خاصة في ظل احتضانه المنتظم لمناورات “الأسد الإفريقي”، والتي وُصفت بأنها “تجسيد عملي لتحالف عسكري طويل الأمد”.
وكان الجنرال ستيفن تاونسند، القائد السابق لأفريكوم، قد صرّح في وقت سابق أن “من الصعب إيجاد بديل للمغرب في تنظيم مناورات بهذا الحجم”، مشيدًا بالبنية التحتية العسكرية المتقدمة التي تمتلكها المملكة، وقدرتها على استيعاب قوات متعددة الجنسيات وتنسيق عمليات عسكرية معقدة بكفاءة عالية.
في حال اتخاذ قرار رسمي بنقل مقر “أفريكوم” إلى المغرب، فإن ذلك سيُكرّس موقع المملكة كلاعب رئيسي في تأمين شمال وغرب إفريقيا، خاصة في مجال محاربة الإرهاب، وتأمين الممرات البحرية الحيوية، والمساهمة في إدارة الأزمات الأمنية بمنطقة الساحل.
كما أن هذه الخطوة ستُشكل رسالة واضحة من واشنطن لحلفائها حول أهمية الرباط كشريك استراتيجي موثوق به، خصوصًا في ظل انسحاب بعض القوى الأوروبية من المشهد الإفريقي، وازدياد تغلغل مجموعات أمنية غير حكومية مرتبطة بروسيا، وعلى رأسها مجموعة “فاغنر”، إلى جانب التمدد الصيني في مشاريع البنية التحتية، والطاقة، والموانئ بالقارة.
إن الخطوة الأمريكية المرتقبة بفصل قيادة “أفريكوم” عن القيادة الأوروبية تمثل تحولًا في العقيدة العسكرية الأمريكية، واعترافًا بأهمية تخصيص قيادة مستقلة لتدبير الملفات الإفريقية المتشعبة. وفي ظل هذه المستجدات، يبرز المغرب كخيار منطقي وفعّال لاحتضان المقر الجديد، بفضل موقعه الجغرافي، واستقراره السياسي، وتقدمه العسكري، وشراكته العريقة مع الولايات المتحدة، ما يجعل من السنوات المقبلة مرحلة مفصلية في إعادة رسم خارطة النفوذ العسكري الأمريكي في القارة الإفريقية.