إنتظارات المغاربة في ظل السجال السياسي حول الحكومة التي ستقود “مونديال 2030” ، قراءة سياسية وإستشراف للرهانات والتحديات .

يعيش المغرب على وقع سجال حاد مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، بين مختلف مكونات المشهد الحزبي حول من سيتولى قيادة الحكومة المقبلة، في ظل تحديات داخلية معقدة وإنتظارات شعبية عريضة. غير أن ما يزيد من زخم المرحلة وتحدياتها هو ما يلوح في الأفق من رهانات جسيمة مرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030، الذي يمثل لحظة فارقة في مسار الدولة المغربية، لا باعتباره حدث رياضي فحسب، بل محطة إستراتيجية لتثبيت النموذج التنموي الجديد ، وتعزيز إشعاع المملكة قاريا ودوليا.
لقد شكل فوز المغرب بشرف تنظيم مونديال 2030، إلى جانب إسبانيا والبرتغال تتويجا لمسار دبلوماسي حيوي ورؤية ملكية حكيمة و متبصرة، لكنه في الآن ذاته وضع البلاد أمام اختبار دقيق لقدرتها على تجنيد طاقاتها السياسية والمؤسساتية والإجتماعية لإنجاح هذا الموعد التاريخي . فالإختبار لا يقتصر على إنجاز البنيات التحتية، بل يطال بالأساس القدرة على إدارة تحول بنيوي عميق في منظومة التدبير العمومي، وتجديد التعاقد السياسي بين الدولة والمواطن.
فرغم هذا الرهان الكبير، لا تزال الساحة السياسية تفرز ممارسات تؤشر على مفارقة صارخة، الدولة التي تطلع نحو إنجاح المونديال وجعله رافعة للتنمية، نجد العديد من الأحزاب تغرق في مناورات انتخابية مبكرة، حيث تهيمن الحسابات الضيقة، وتغيب الرؤى المتكاملة، ويغيب معها النقاش الجاد حول النموذج الحكومي القادر فعلا على تحمل أعباء المرحلة، وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة الطبقة السياسية الراهنة على مجاراة حجم الإنتظارات الوطنية والدولية.
الحكومة الحالية، و على الرغم من إمتلاكها لأغلبية مريحة، لم تنجح في إرساء دينامية إصلاحية واسعة توازي سقف الطموحات الشعبية،حيث ظل أداؤها في كثير من الملفات الإجتماعية والإقتصادية محكوم بهاجس التوازن المالي أكثر من إنشغالها بتحقيق العدالة الإجتماعية. كما أن ضعف التواصل، وتضارب المواقف داخل بعض مكوناتها، أضعف ثقة المواطنين في نجاعتها وجديتها. وهو ما يزيد من صعوبة المرحلة المقبلة، التي ستتطلب حكومة بتركيبة جديدة، تنبني على الكفاءة والنجاعة، لا على المصالح الخاصة والترضيات.
وبمنظور استشرافي لما ستؤول له المرحلة الممتدة إلى غاية 2030،سنقف هلى أنها تطلب بالفعل حكومة تمتاز بخمس خصائص أساسية أولها،إمتلاك الرؤية الواضحة والتنفيذ المحكم، فلا يكفي رفع الشعارات أو تقديم الوعود، بل ينبغي تحويل التوجيهات الإستراتيجية إلى برامج تنفيذية قابلة للقياس والتقييم، وفق مقاربة تستحضر النتائج لا النوايا.
وثانيها، إمتلاك إرادة سياسية للتغيير الحقيقي ،إرادة تعيد الإعتبار للوظيفة العمومية، وتقطع مع الريع والفساد، وتفتح المجال أمام النخب الشابة والكفاءات الوطنية القادرة على صنع الفارق.
وثالتها، العمل على إشراك مجتمعي واسع يجعل من الحدث الرياضي فرصة لصياغة مشروع وطني جامع، يدمج مختلف الفاعلين من جماعات ترابية وقطاع خاص ومجتمع مدني، ويفعل بالملموس آليات الديمقراطية التشاركية.
ويبقى رابعها، الحرص على تحقيق عدالة مجالية صارمة تضمن إستفادة متوازنة للجهات من مشاريع المونديال، وتجنب المغرب سيناريو “التنمية المنفصلة”، حيث تغدق الاستثمارات في المدن المستضيفة بينما تظل باقي الجهات رهينة التهميش.
وآخرها، مدى توفر الفاعل السياسي الحكومي المرتقب على القدرة على مأسسة الرؤية و دوامها ،باعتبارها محطة مفصلية ، وذلك بأن يؤطر مشروع المونديال ضمن إستراتيجية دولة عابرة للحكومات، تضمن الإستمرارية والمساءلة، وتحول دون رهن المصير التنموي لرهانات سياسية ظرفية.
كما لا يمكن فصل هذه الرهانات عن التحولات الجيوسياسية المحيطة، فالمغرب وهو يستعد لاحتضان تظاهرة كونية، يواجه تحديات إقليمية دقيقة، تتعلق بإستمرار التوتر مع الجارة الشرقية، وتزايد التهديدات في الساحل، وتنافس المحاور الدولية على النفوذ الإقتصادي بإفريقيا . وكلها عوامل تحتم توجيه السياسات العمومية نحو تعزيز المناعة الداخلية، وتوسيع قاعدة الرضا الشعبي، وتحصين التماسك المجتمعي بتقوية الجبهة الداخلية ، لا سيما أننا نعيش اليوم في ظل مؤشرات إجتماعية مقلقة كالبطالة، وتراجع القدرة الشرائية لعموم المواطنين.
إن جوهر النقاش السياسي اليوم لا يجب أن يتمحور فقط حول من سيترأس الحكومة، بل حول أي حكومة نريد؟ وأي مشروع وطني يمكن أن يرضي المواطن المغربي؟ وكيف نحول هذا الإجماع الاستثنائي حول المونديال إلى عقد إجتماعي جديد يجسد بإمتياز ذلك التحول الحقيقي في نمط التدبير العمومي ؟
ختاما ، إن المغاربة لا ينتظرون فقط تنظيما ناجحا لكأس العالم، بل يتطلعون إلى لحظة تجديد للثقة، وتصحيح للمسار، ومصالحة حقيقية مع الفضاء العمومي، تنبني على الكفاءة والشفافية والفعالية. أما الرهانات فهي أكبر من أي حزب، وأعمق من أي توازنات سياسية، إنها رهانات وطن بأكمله يشق طريقه بثبات نحو مصاف الدول الصاعدة والمتقدمة ، وطن يعلم مواطنوه جيدا ، أن التاريخ لا يمنح فرصه مرتين.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.