أكثر من استفزاز وأقل من تحليل موضوعي ، جريدة لوموند تخرج عن الشرعية

بلغت جريدة لوموند الفرنسية مستوى غير مسبوق من الاستفزاز حين حاولت تسويق فكرة واهية عن “نهاية حكم الملك محمد السادس”، وصورت المغرب وكأنه كيان هش يعيش على وقع التناقضات والمؤامرات والعلاقات الغامضة. وكأن هذه الدولة-الأمة، التي صمدت لقرون طويلة وكان الملك محمد السادس الملك الثالث والعشرين في الدولة العلوية والملك الـ117 منذ إدريس الأول، ليست سوى تجمع عابر للمصالح قاوم البقاء بلا مقومات حقيقية.
من يقرأ التحقيق يدرك بسهولة الرسائل المبطنة:
أولاً: التلبيس المتعمد بين الانطباع والادعاء
الجريدة اعتمدت الخلط بين الرأي والرواية المختلقة، وبين المعلومة غير المؤكدة والخبر الزائف، دون أن تقدم دليلاً واحداً على أطروحة “غياب الملك”. بل إن الوقائع تثبت العكس؛ ففي الأشهر الأربعة الأخيرة فقط قام الملك محمد السادس بـ:
- ترؤس المجلس الوزاري (12 ماي).
- استقبال الولاة والعمال (25 ماي).
- استقبال عدد من السفراء (14 ماي).
- تدشين خط TGV الجديد (أبريل).
- إعطاء انطلاقة مشروع المنصة اللوجستيكية للمخزون بجهة الرباط-سلا-القنيطرة (7 ماي).
- ترؤس حفل الولاء وإلقاء خطاب العرش (يوليوز).
- إصدار عفو خاص بمناسبتي عيد العرش وعيد الأضحى.
- اتخاذ القرار الاستثنائي بإلغاء الأضاحي مع أداء الواجبات الدينية.
- تكليف وزير الداخلية بالإعداد للانتخابات المقبلة.
- تكليف الحكومة بصياغة استراتيجية جديدة لتقليص التفاوتات المجالية.
وما خفي أعظم، والأنشطة موثقة ومتاحة على الموقع الرسمي لوكالة المغرب العربي للأنباء.
لكن ما لا يستوعبه العقل الصحفي الكولونيالي هو أن الملكية في المغرب ليست مؤسسة للاستهلاك اليومي، بل هي مؤسسة المؤسسات، تبرز حينما تفرض الضرورات الدستورية والاستراتيجية ذلك، لا حينما يبحث الإعلام عن صورة أو خبر عابر.
ثانياً: الوصاية الإعلامية ذات النفس الكولونيالي
لوموند منحت نفسها حق إصدار أحكام تقييمية على مسار ملكي عريق، باستعمال مؤشرات هجينة وأسلوب أقرب إلى لعبة فيديو رخيصة منه إلى تحليل سياسي رصين. وهذا يكشف أن جزءاً من الإعلام الفرنسي ما زال يتعامل مع المغرب بمنطق “المستعمَرات السابقة”، متستراً وراء شعارات حرية الصحافة والاستقلالية.
ثالثاً: أجندة قديمة متجددة ضد المغرب
الجريدة لم تكتفِ بمقال معزول، بل دأبت منذ اعتلاء محمد السادس العرش على تخصيص مقالات مشحونة بمناسبة ذكرى العرش. ففي 2009 نشرت استطلاعاً مشوهاً عن حصيلة عشر سنوات من الحكم. وفي 2015 خصصت مادة مليئة بالإشاعات عن ثروة الملك. وفي 2019 نشرت ملفاً بعنوان: “المغرب: محمد الملك اللغز”. واليوم تكرر نفس السيناريو، مما يؤكد أن الأمر ليس مجرد معالجة صحفية بل خط تحريري بنَفَس سياسي واضح.
رابعاً: غياب التوازن المهني
التحقيق اكتفى برواية وحيدة منسوجة من شهادات منحازة ومصادر مشبوهة، بعضها مرتبط بوجوه معروفة بعدائها للمغرب، دون أن يمنح مساحة للرواية المقابلة. وهذا يضع لوموند في موقع الطرف المتورط لا الوسيط الإعلامي، ويجعل من نصها أشبه ببيان دعائي أكثر منه عملاً صحفياً.
الخلاصة
لسنا أمام عمل صحفي مستقل، بل أمام حملة ممنهجة تنسجم مع أجندات فقدت توازنها بعدما اصطدمت بصلابة المؤسسة الملكية، وبشرعية تاريخية متجذرة في عمق الأمة المغربية. محاولة زعزعة هذه الشرعية عبر أقلام مستأجرة أو منصات ذات نَفَس كولونيالي لن تفلح، لأن المغرب أثبت على مدى قرون أن الاستقرار ليس شعاراً مؤقتاً، بل خياراً راسخاً يستمد قوته من ملكية متجذرة في التاريخ ومرتبطة بمستقبل الأمة.