آيت عميرة بين الحاضر والمستقبل… و تعزيز التنمية المجالية بالمنطقة

تُعد جماعة آيت عميرة واحدة من أبرز الحواضر الترابية بإقليم اشتوكة آيت باها، حيث تمتد على مساحة واسعة جعلت منها فضاءً استراتيجياً للنشاط الفلاحي بمختلف أنواعه. فبفضل ضيعاتها المنتشرة وإنتاجها الزراعي الموجه نحو الأسواق الدولية، تحولت المنطقة إلى قطب استثماري يستقطب كبريات الشركات العاملة في مجال التصدير، مما وفر آلاف مناصب الشغل وخلق دينامية اقتصادية واجتماعية لافتة.
غير أن هذا الزخم الاقتصادي، على أهميته، لم يُترجم بعد إلى تنمية محلية متوازنة تُحسن فعلياً من ظروف عيش الساكنة، إذ ما تزال العلاقة بين العائدات الفلاحية الضخمة ومستوى التنمية المجالية والاجتماعية غير متكافئة. وهو ما يفرض التفكير بجدية في آليات جديدة لربط الثروة المنتجة بعدالة التوزيع والإنصاف المجالي.
في المقابل، يواجه وجه آيت عميرة المشرق تحديات متراكمة، أبرزها الإرث الثقيل من الصراعات السياسية التي عاشتها الجماعة طيلة ثلاثة عقود، وأثرت سلباً على وتيرة التنمية المحلية. فقد أدت هذه الصراعات إلى هدر زمن تنموي ثمين كان يمكن استثماره في مشاريع هيكلية مستدامة. كما ساهم ضعف الموارد المالية والإمكانيات اللوجستية، إلى جانب غياب رؤية استراتيجية لدى النخب السياسية، في تعميق الهوة بين الإمكانيات المتاحة وتطلعات الساكنة.
ومع التوسع العمراني والديمغرافي السريع، عجزت الجماعة عن مواكبة حاجيات السكان في مجالات السكن والتعليم والصحة والبنيات التحتية. كما أن غياب حوار سياسي مسؤول جعل من تدبير الشأن المحلي عملية متعثرة يصعب معها إرساء حلول واقعية وفعالة.
شهدت آيت عميرة موجة توسع عمراني غير مسبوقة، خاصة خلال مرحلة ما بعد “الربيع العربي”، حيث تكاثر البناء العشوائي بشكل لافت، إلى جانب موجات الهجرة الداخلية التي استقطبت آلاف العمال من مختلف مناطق المغرب، تلتها هجرة من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ورغم أن هذه التحركات ساهمت في تلبية حاجيات الضيعات الفلاحية من اليد العاملة، إلا أنها أفرزت ضغطاً اجتماعياً متزايداً تمثل في الخصاص الحاد في السكن، والاكتظاظ داخل المؤسسات التعليمية، والضغط الكبير على المرافق الصحية، فضلاً عن تحديات الاندماج الاجتماعي.
هذه الوضعية باتت تفرض تفكيراً جماعياً ومسؤولاً في حلول عملية تشمل إطلاق برامج سكن اجتماعي، وبناء مؤسسات تعليمية جديدة، وتعزيز البنية الصحية، إلى جانب تطوير برامج اندماج للمهاجرين بما يضمن التعايش السلمي ويُثري النسيج الاجتماعي للمنطقة.
اليوم، تقف آيت عميرة عند مفترق طرق بين الممكن واللاممكن.
فالممكن يتجسد في مؤهلاتها الطبيعية والبشرية التي تؤهلها لتصبح قطباً فلاحياً واقتصادياً متكاملاً، بينما اللاممكن يتهددها في حال استمرار الصراعات السياسية وتعطل المشاريع وضعف الموارد المالية. ويزيد الوضع تعقيداً حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق المجلس الجماعي، في وقت لم تعد الإمكانيات الذاتية قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة بمفردها.
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تدخل الدولة ومؤسساتها القطاعية في إطار مقاربة مندمجة:
- وزارة الداخلية لدعم التأطير والتمويل.
- وزارة التربية الوطنية لتقوية العرض التعليمي.
- وزارة الصحة لتعزيز الخدمات الصحية.
- وزارة التجهيز لفك العزلة وتحسين الشبكة الطرقية.
- وزارة الإسكان لإيجاد حلول لمعضلة السكن والتهيئة الحضرية.
- صندوق التنمية القروية لسد الخصاص في البنيات الأساسية.
- إضافة إلى تفعيل دور المؤسسات المكلفة بالشباب والثقافة والرياضة لاستثمار الطاقات الشابة التي تزخر بها المنطقة، والتي بصمت على نجاحات متميزة محلياً ووطنياً ودولياً.
ولا يمكن إغفال معضلة النفايات المنزلية والفلاحية، التي باتت تؤرق الساكنة وتشكل تحدياً بيئياً ملحاً يستدعي تدخلًا جماعياً لإيجاد حلول دائمة ومستدامة.
إن تعبئة جميع هذه الأطراف، في إطار تنسيق مؤسساتي محكم، يمكن أن تشكل مدخلاً حقيقياً لمعالجة الإشكالات المزمنة، بدل ترك الأمور على حالها بما يحمله ذلك من مخاطر اجتماعية واقتصادية متفاقمة.
يبقى الرهان الأساسي هو: كيف يمكن لآيت عميرة، من خلال تضافر جهود الدولة والجماعة الترابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، أن تُحوّل ثقلها الديمغرافي وقوتها الفلاحية إلى رافعة تنموية حقيقية؟
وهل ستتمكن النخب السياسية من تجاوز خلافاتها وتغليب المصلحة العامة؟
ومتى ستترجم الدولة حجم الاستثمارات الفلاحية الكبرى التي تحتضنها المنطقة إلى مشاريع تنموية ملموسة تعود بالنفع المباشر على الساكنة؟
أسئلة مشروعة تنتظر أجوبة عملية على الأرض، لتتحول آيت عميرة من جماعة محلية مثقلة بالتحديات إلى نموذج للتنمية المتوازنة، حيث يصبح الحاضر بكل صعوباته جسراً لبناء مستقبل أفضل يليق بانتظارات الساكنة ويحفظ للمنطقة مكانتها كقلب نابض للفلاحة الوطنية.