Uncategorized

التمويلات البديلة أم الخصخصة المقنّعة؟ جدل حول مستقبل المستشفيات العمومية في عهد حكومة أخنوش


التحقيق الصحفي

الرباط – إعداد خاص

في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة المغربية أن “إصلاح المنظومة الصحية” يسير وفق رؤية جديدة تضع المواطن في صلب الاهتمام، تعالت في المقابل أصوات كثيرة تتحدث عن “توجه مريب نحو بيع المستشفيات العمومية وإعادة كرائها للقطاع الخاص” تحت ما تصفه الحكومة بـ”التمويلات البديلة”، وهو المفهوم الذي أثار موجة من الجدل والاتهامات بوجود “خصخصة مقنّعة” لمرافق الدولة الحيوية.

🔹 خلفية: من الخوصصة إلى التمويلات البديلة

منذ سنة 2023، أطلقت وزارة الاقتصاد والمالية برنامجًا تحت مسمى “التمويلات البديلة”، كآلية جديدة لتخفيف العبء المالي عن ميزانية الدولة في تمويل البنيات التحتية الكبرى، منها التعليم والصحة.
ويقوم هذا النموذج على إشراك مستثمرين خواص في بناء أو تهيئة وتجهيز المستشفيات العمومية، مقابل السماح لهم بإدارتها جزئيًا أو كراء بعض خدماتها لفترة محددة، مع التزام الدولة بأداء مقابل سنوي أو جزافي.

لكنّ هذا التحول فتح الباب أمام تخوفات من سيطرة لوبيات اقتصادية على قطاع حساس كالصحة، خصوصًا بعد تداول أسماء شركات خاصة حديثة النشأة يُقال إنها فازت بصفقات ضخمة مرتبطة بالمجال الطبي، وسط اتهامات بأنها تعود لأقارب أو شركاء بعض المسؤولين الحكوميين.

🔹 اتهامات واستفهامات مشروعة

مصادر من داخل المعارضة البرلمانية تعتبر أن “التمويلات البديلة ما هي إلا وجه آخر للخوصصة”، حيث تقول النائبة البرلمانية ( م ، ش ) إن “الدولة تتنازل عن إدارة مرافقها العمومية لفائدة الخواص، ثم تؤدي لهم لاحقًا مقابل الخدمات التي كانت توفرها سابقًا بنفسها”.
وتضيف أن “الخطير في هذا النموذج أنه يفتح الباب أمام تضارب المصالح، خاصة إذا كانت الشركات المستفيدة قريبة من دوائر القرار السياسي أو الاقتصادي”.

وفي المقابل، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي روايات تزعم أن بعض الشركات الجديدة في القطاع الصحي تعود ملكيتها إلى عائلات أو أصهار شخصيات حكومية بارزة، من بينهم وزراء أو رجال أعمال مقربين من رئيس الحكومة. غير أن هذه الادعاءات لم يتم تأكيدها بوثائق رسمية أو تقارير قضائية إلى حدود كتابة هذه السطور.

🔹 الحكومة ترد: “إصلاح بنَفَس جديد وليس خصخصة”

مصدر رسمي من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية نفى في اتصال هاتفي وجود أي عملية “بيع أو تفويت للمستشفيات العمومية”، مؤكّدًا أن “التمويلات البديلة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات عبر شراكة عادلة مع القطاع الخاص، دون المساس بالطابع العمومي للمؤسسات الصحية”.

وأضاف المصدر ذاته أن “الدولة تحتفظ بملكية المستشفيات وتتحكم في السياسات الصحية، بينما يساهم الخواص فقط في التمويل والتدبير الجزئي لبعض الخدمات غير السيادية، مثل النظافة، الصيانة، أو التزويد بالتجهيزات”.

🔹 خبراء يحذرون: غياب الشفافية خطر على الثقة

الخبير الاقتصادي محمد العلوي يرى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص “فكرة جيدة من حيث المبدأ”، لكنها قد تتحول إلى “باب خلفي للفساد” في غياب الشفافية والمراقبة الصارمة.
ويضيف في تصريحه:

“ما يثير الريبة ليس النموذج في حد ذاته، بل غياب الوضوح في هوية الشركات المتعاقدة، وقيمة الصفقات، وآليات تتبع الأداء. إن لم تُنشر هذه المعطيات للرأي العام، فستظل الشكوك قائمة بأن هناك خوصصة مقنّعة لقطاع الصحة.”

🔹 أين البرلمان والمجتمع المدني؟

في ظل تصاعد الجدل، دعا المرصد المغربي للشفافية والحكامة إلى فتح تحقيق برلماني حول طبيعة الشراكات في قطاع الصحة، ونشر كل العقود المبرمة بين الدولة والخواص في هذا المجال.
كما طالبت جمعيات المجتمع المدني بـإشراك المواطنين في تقييم هذه التجارب الجديدة، بدل فرضها دون نقاش عمومي.


في خضم هذا النقاش العام المحتدم حول مستقبل المستشفيات العمومية بالمغرب، بات مصطلح «التمويلات البديلة» محور جدل واسع: تُعرضه الحكومة كآلية لتمويل البنيات الصحية دون بيع المنشآت، بينما يخشى منتقدون من أن يتحوّل إلى خوصصة مقنّعة تُسهِم في تحويل أصول وإدارة القطاع الصحي إلى جهات خاصة ذات قدرة شرائية كبيرة.

1) الإطار القانوني والمؤسسي

المغرب أرسى إطارًا قانونيًا يُنظّم عقود الشراكة والـPPP وإدارة-delegation للخدمات العمومية (قانون وإرشادات تنفيذية ودليل عقود الشراكة لدى وزارة المالية). هذا الإطار يبيح لجهات عمومية اختيار شريك خاص لتمويل وإنجاز أو تسيير جزء من خدمات البنية العمومية بحسب عقود مدتها محددة، مع إمكان تعويض الشريك من ميزانية الدولة أو من العائدات.

2) نواة الجدل: ما الذي يحدث على الأرض؟

وزارة الصحة نشرت بالفعل إعلانات واستدعاءات لاختيار شركاء خاصين لملفات ومشاريع مختلفة، وهو ما يؤكد أن آليات الاختيار للشريك الخاص تُطبّق عمليًا في عدد من الملفات. لكن تفاصيل عقود الشراكة (الطرف المستفيد، بنود التعويض، آليات الرقابة) ليست دائمًا منشورة بشفافية كاملة على مستوى الوثائق المتاحة للجمهور.

في المقابل، جهات رقابية واستشارية وطنية أصدرت تقارير تحذّر من انسياق القطاع نحو تركزٍ وشفافية ناقصة: و على رأسها بنك المغرب، و كذا تقرير مجلس المنافسة والهيئات الرقابية سلط الضوء على تركزٍ كبير للعرض الخاص في عدد محدود من المناطق وإشكالات في شفافية السوق. هذا يعزّز مخاوف المراقبين من أن توسّع الخاص قد لا يصاحبه إطار حوكمة كافٍ.

3) مثال عملي مُوثَّق: نمو مجموعات خاصة رائدة

مجموعة AKDITAL تُعدّ مثالًا واضحًا على انفجار النمو في القطاع الخاص للصحة بالمغرب: مستندات ونشريات المجموعة وتقارير مالية توضح توسعًا سريعًا لعدد المؤسسات والمستوصفات والقدرة على الاستحواذ والتمويل عبر البورصة، ما يجعلها لاعبًا مركزيًا في المشهد الصحي الخاص. هذا الانتشار الخاص يغيّر معادلات العرض والطلب في الصحة الوطنية، دون أن يعني بالضرورة تملّكًا مباشرًا للمستشفيات العمومية، لكنه يضع جهات خاصة ذات وزن سوقي كبير في قلب المنظومة.

4) ما الذي تثبته الوثائق — وماذا لا تثبِت؟

تثبیتات موثقة:

وجود إطار قانوني وإجراءات لاختيار شركاء خاصين (قوانين ومرجعيات وزارة المالية).

إعلانات فعلية على بوابة وزارة الصحة بشأن دعوات ومسوّدات لانتقاء شركاء في مشاريع محددة.

توسّع كبير للمجال الخاص (تقارير واستقصاءات صحفية، تقارير رسمية للمؤسسات الرقابية حول تركّز القطاع وارتفاع دور الخاص).

وجود تقارير للهيئات الرقابية (مثل Cour des comptes/التقارير السنوية) التي تشير إلى ضرورة تعزيز الرقابة والشفافية في تدبير المال العام والصفقات.

ما لا تثبته الوثائق المتاحة علنًا:

لم نعثر في المستندات الرسمية العلنية التي اطلعت عليها (تقارير وزارية، نشرات الصفقات، ملفات الشركات العامة المتاحة عبر المصادر الصحفية والمالية) على سلسلة وثائق منشورة تثبت بشكل قاطع أن مستشفيات عمومية بعينها قد تم بيعها بالكامل أو تأجيرها طرفيًا لشركات تملكها عائلات مسؤولين محددين. أي اتهامات من هذا النوع تتطلّب أدلة تسجيلية (سجلات الملكية، عقود نقل ملكية، عقود شراكة منشورة بصيغة كاملة) أو أحكام قضائية أو تحقيق صحفي استقصائي يُقدم مستندات تفصيلية.

5) أمثلة موثّقة يمكن الاستناد إليها في تحقيق أعمق

(روابط ومراجع رسمية وموثوقة لاستخراج عقود أو معطيات إضافية)

  1. دليل عقود الشراكة والمرجع القانوني — وزارة الاقتصاد والمالية (دليل PPP والمرجعيات التشريعية). هذا المصدر يوضح كيف تُبرم العقود
  2. وشروط التعويض والآليات القانونية
  3. بوابة وإعلانات وزارة الصحة (صفحة “Appels d’Offres” وبيانات اختيار الشريك) — فيها نشرت الوزارة دعوات ومسوّدات اختيار شركاء لبعض المشاريع. وثائق هذه الصفحات تُعد نقطة انطلاق لمعرفة أسماء المتقدّمين أو الفائزين إن نُشرت لاحقًا.
  4. تقارير المجموعة الخاصة AKDITAL (تقارير سنوية ووثائق تسجيل بالبورصة) — توضح مدى توسع اللاعبين الخاصين وقدرتهم التمويلية، ما يجعلهم مرشحين طبيعيين للانخراط في مشاريع PPP أو للاستفادة من العقود ذات الصلة. هذه الوثائق متاحة على موقع المجموعة وتسجيلاتها المالية.
  5. تقرير Conseil de la Concurrence (تقرير/رأي حول سوق العلاجات والمصحات الخاصة) — يتحدث عن شفافية السوق، تركيز العرض، وتوزيع الخدمات، وهو مرجع رقابي مهم لفهم السياق.
  6. تقرير/ملفّات Cour des comptes (التقرير السنوي) — الذي يُبرز نقاط الضعف في تدبير المال العام والصفقات، ويُعدّ مصدرًا مرجعيا للشكليات الرقابية والمطالب بتحسين الشفافية.

6) تحفظ قانوني وأخلاقي (لا ادعاءات بدون دليل)

التحقيقات التي تتناول شبهات فساد أو تضارب مصالح يجب أن تلتزم بدقة المستندات، وأن تميّز بين:

معلومات موثقة (عقود، بيانات رسمية، سجلات تجارية، أحكام قضائية).

شبهات متداولة (تغريدات، تدوينات، إشاعات لم تُدعم بوثائق).

في هذا الصدد، لم أَجد حتى الآن وثائق علنية منشورة تجمع بين: (أ) اسم المستشفى العام المتناقل حوله موضوع البيع/الكراء، (ب) نسخة من عقد الكرْي/الشراكة يذكر الطرف الخاص وشرطه، و(ج) سجل يربط ملكية الشركة الخاصة بأسماء أفراد بعينهم من مسؤولين حاليين أو أقاربهم. لذلك — وبدون تلك الوثائق — يبقى الكلام عن “امتلاك العائلات لصالح عقود المستشفيات العمومية” اتهامًا يحتاج إلى إثبات مستندي واضح قبل النشر.

7) خطوات تحقيقية عملية مقترحة .

خطوات عملية لجمع أدلة ميدانية وقانونية تُسند الادعاءات أو تُبطلها:

  1. طلب الوثائق الرسمية: استخراج نسخ عقود الشراكة/إسناد الصفقات من بوابة الصفقات العمومية لوزارة الصحة أو من النافذة الخاصة بالصفقات العمومية (المناقصات) — مراقبة ملفات “اختيار الشريك” المنشورة.
  2. تحقق من سجلات الشركات (OMPIC): البحث في سجل الشركات عن مالكيّ الشركات الخاصة المذكورة كفائزين في أي صفقة، والتحقق من بيانات المساهمين والمديرين.
  3. مراجعة تقارير Cour des comptes & Conseil de la Concurrence لأية إشارات مباشرة لعقود شراكة في الصحة أو ملاحظات رقابية تتعلق بعقود PPP في هذا القطاع.
  4. مصادر صحفية استقصائية: الرجوع إلى استقصاءات محلية (Le Desk, Medias24, TelQuel, Le360, L’Economiste) عن منح صفقات أو عقود إصلاح/كراء أو شراكات في مجال الصحة، وجمع أي عقود منشورة أو تقارير تدعم الربط بين شركات وأسماء.
  5. مقابلات موثقة: إجراء مقابلات مسجّلة مع مسؤولين بالوزارة، ممثلي الشركات الفائزة، وناشطين في المجتمع المدني للحصول على تصريحات موثقة.

8) استنتاج مبدئي

الوثائق الرسمية والمصادر الموثوقة تؤكّد أن:

هناك توجّه رسمي للاستفادة من شراكات مع القطاع الخاص (قانوني وإجرائي).

القطاع الخاص نمى بسرعة (حالات مثل AKDITAL كمثالٍ موثّق).

هيئات رقابية سبق أن نبهت إلى مخاطر نقص الشفافية وتركيز السوق، ما يجعل المخاوف من تضارب مصالح و«خوصصة مقنّعة» مبررة للتحرّي الدقيق.

لكنّ الحكم النهائي على وجود «شبكة مصالح» محددة تربط أسماء مسؤولين بعقود مُعيّنة يتطلّب الحصول على عقود وإثباتات تسجيلية (سجلات ملكية/مساهمين/وصول لأسماء الفائزين في عقود محددة). بدون ذلك تبقى الاتهامات — رغم وجود خلفية بنيوية مثيرة للقلق — في نطاق الشبهات التي يجب توثيقها قبل النشر الافتتاحي.

🔹 خاتمة

بين رواية الحكومة التي تعتبر “التمويلات البديلة” خطوة إصلاحية ضرورية، وموقف منتقديها الذين يرون فيها “خوصصة مغلّفة”، يظل المواطن المغربي هو المتأثر الأكبر من أي خلل في تدبير الصحة العمومية.
ويبقى السؤال مطروحًا بإلحاح:

هل نحن أمام إصلاح حقيقي يهدف إلى تطوير المستشفيات العمومية؟
أم أمام عملية إعادة توزيع للثروة والفرص بين نخبة اقتصادية محدودة على حساب المال العام .

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button