العهد بين الشيخ والمريد: أمانة روحية وسؤال يوم القيامة

في طريق التصوف يعتبر العهد بين الشيخ والمريد من أقدس الروابط الروحية، فهو ليس مجرد علاقة تعليمية عابرة، بل أمانة إلهية يحاسب عليها الطرفان. فالشيخ مسؤول عن تربية مريده وتوجيهه نحو الله، والمريد مطالب بالوفاء والصدق في صحبته. وقد حذر كبار المشايخ من إهمال هذا العهد، لأنه يمثل ميثاقا روحانيا تُسأل عنه الأمانة يوم الحساب.
العهد في ضوء القرآن الكريم
لقد أكد القرآن الكريم على أهمية الوفاء بالعهد ورعاية الأمانة، فقال تعالى: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” (الإسراء: 34). فهذه الآية الكريمة تشمل كل عهد بين العبد وربه، وبين الشيخ وتلميذه. كما أن الله تعالى أمر بحفظ الأمانة فقال: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” (الأحزاب: 72).
فالشيخ الذي يقبل مريدا عليه أمانة التربية والتهذيب، والمريد الذي يبايع شيخه عليه أمانة الطاعة والالتزام، وكل منهما مسئول أمام الله عن هذا الميثاق العظيم.
العهد في السنة النبوية الشريفة
جاءت الأحاديث النبوية مؤكدة على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق كل من الشيخ والمريد. فقال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” (متفق عليه). فالشيخ راع لمريديه، وسيحاسب على نصحهم وتربيتهم، كما أن المريد مسئول عن طاعته لشيخه في المعروف.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة في الأمانة فقال: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ” (رواه مسلم). فإذا قصر الشيخ في تربية مريده أو غشه، فقد عرض نفسه للوعيد الشديد.
كلام المشايخ في حفظ العهد
قال الإمام الجنيد البغدادي رحمه الله: “المريد الصادق من وفى بعهده مع شيخه، والشيخ الكامل من حفظ حقوق مريده، فإن ضيع أحدهما حُرم البركة.”
وقال سيدي أحمد الرفاعي رحمه الله: “العهد مع الشيخ عهد مع الله، فمن نقضه نقض عهد الله، ومن حفظه حفظه الله في الدنيا والآخرة.”
وأوصى الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله فقال: “يا مريد، إن بايعت فكن صادقًا، فإن الشيخ يحملك على جناح الدعاء، فإن خنتَ خسرت الدعاء وخسرت التوفيق.”
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله: “من دخل في طريقنا ثم خرج منه بغير عذر، فقد خان الأمانة، والله لا يهدي من خان.”
فى الختام :
إن العهد بين الشيخ والمريد ليس مجرد اتفاق عابر، بل هو ميثاق مقدس تقوم عليه التربية الروحية. فالشيخ الذي يقصر في توجيه مريده، والمريد الذي ينكث عهده مع شيخه، كلاهما يعرض نفسه للمساءلة الإلهية. لذا وجب على الشيخ أن يرعى مريده بالحكمة والرحمة، وعلى المريد أن يلتزم بالصدق والوفاء، حتى تتحقق البركة في هذه الصحبة المباركة.
“وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ” (المؤمنون: 8).