|▪︎ تحديث المنظومة الأمنية والعسكرية بالمغرب: رؤية ملكية لاستراتيجية أمن قومي متكاملة

منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش المملكة سنة 1999، انتهج المغرب مسارًا واضحًا في تحديث بنيته الأمنية والعسكرية، ليس باعتبارها مسألة ظرفية أو مرتبطة بالتهديدات الظرفية، بل كجزء من استراتيجية شاملة لإعادة بناء المفهوم الحديث للأمن الوطني والأمن القومي. لقد أدرك جلالته، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب العامة، أن قوة الدولة في القرن الحادي والعشرين لا تقاس فقط بعديد الجنود أو نوعية السلاح، بل بمدى الجاهزية والتنسيق والتكوين والقدرة على التفاعل مع التهديدات التقليدية والجديدة في آن واحد.
وفي هذا الإطار، باشر المغرب، بتوجيهات ملكية سامية، إصلاحًا معمقًا شمل البنية المؤسساتية والأكاديمية للقوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية بمختلف تلاوينها. وتمثل هذا الإصلاح في إطلاق أوراش كبرى لإحداث أكاديميات ومعاهد عليا للتكوين العسكري والأمني، تُعنى بتأهيل العنصر البشري وتزويده بتكوين استراتيجي وتقني متقدم، يجمع بين التكوين النظري والخبرة الميدانية.
لقد أضحت التكوينات الأمنية والعسكرية في المغرب ذات طابع متعدد المستويات، تشمل التكوين القيادي، الاستخباراتي، السيبراني، والعملياتي، ما مكن من خلق نخب أمنية وعسكرية مغربية تتمتع بكفاءة عالية، وتواكب التحديات المعاصرة التي تفرضها التهديدات الإرهابية، والهجمات السيبرانية، وحروب الجيل الرابع.
وعلى مستوى البنية الميدانية، شهد المغرب إحداث وحدات عسكرية متخصصة، ومناطق دفاعية جديدة، تعتمد على تموقع استراتيجي يُراعي التهديدات المحتملة على طول الحدود، سواء شمالًا أو شرقًا أو جنوبًا. وقد زُوّدت هذه الوحدات بأحدث التجهيزات والمعدات، بما في ذلك الطائرات المسيرة، وأنظمة الدفاع الجوي، وأجهزة الرصد والاستشعار عن بعد، في خطوة تعكس توجهًا ملكيًا نحو الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة.
هذا التطوير لا ينحصر فقط في الجانب العسكري التقليدي، بل يشمل أيضًا المنظومة الأمنية المدنية، التي تم تعزيز قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، عبر تكوينات تخصصية وتحديث البنية الاستخباراتية واللوجستيكية، خاصة داخل المؤسسات المركزية كالإدارة العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروفتين بدقة تدخلاتهما ونجاعة ضرباتهما الاستباقية في مواجهة التهديدات.
كما يُسجّل أن المقاربة الأمنية المغربية لا تقوم على منطق المواجهة المباشرة فقط، بل على التكامل بين أجهزة الدولة، وتعزيز التعاون بين الأمن والجيش والدرك والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ما يمنح المغرب منظومة أمنية موحدة ومتكاملة تعمل وفق منطق تنسيقي دائم وتبادل للخبرات والمعطيات.
إن الدور القيادي لجلالة الملك محمد السادس في هندسة هذه الرؤية وتجسيدها ميدانيًا، لم يقتصر على التوجيه العام، بل شمل المتابعة الدقيقة للبرامج، والتدخل في القرارات المحورية، والتوجيه المباشر في ما يخص تحديث المعدات وإعادة هيكلة القيادة وتطوير التعاون الدولي في مجالات التكوين وتبادل الخبرات. كل هذا جعل المغرب اليوم، بشهادة شركائه، دولة نموذجية في الاستقرار والأمن، تحظى بثقة دولية متزايدة في قدراتها على حماية ترابها، وتأمين حدودها، والمساهمة في حفظ السلم الإقليمي والدولي.
وهكذا، فإن تحديث المغرب لمنظومته الأمنية والعسكرية لم يكن فقط رد فعل على تهديدات قائمة، بل كان تصورًا استباقيًا ومشروعًا وطنيًا متكاملًا، يقوم على رؤية ملكية بعيدة النظر، تراهن على جعل الأمن ركيزة أساسية للنموذج التنموي، وأساسًا لحماية
السيادة وصيانة وحدة الوطن. ❤️🇲🇦🇲🇦♥️