واشنطن تقترب من المغرب: نقل قيادة “أفريكوم” إلى القنيطرة يعيد تشكيل النفوذ العسكري في إفريقيا

واشنطن تقترب من المغرب: نقل قيادة “أفريكوم” إلى القنيطرة يعيد تشكيل النفوذ العسكري في إفريقيا
الرباط – مراسلة خاصة
في تطور استراتيجي لافت يعكس متغيرات عميقة في السياسة الأمنية الأمريكية بإفريقيا، كشفت تقارير متعددة عن تحركات جادة لنقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” (AFRICOM) من مقره الحالي في مدينة شتوتغارت الألمانية إلى مدينة القنيطرة بالمملكة المغربية. القرار، الذي لا يزال قيد الدرس داخل أروقة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والكونغرس، يعيد رسم خريطة النفوذ العسكري الأمريكي في القارة السمراء، ويكرّس موقع المغرب كحليف رئيسي لواشنطن في شمال إفريقيا والساحل.
تحركات ميدانية ورسائل سياسية
شهدت الأسابيع الأخيرة زيارات ميدانية مكثفة لوفود عسكرية أمريكية إلى منشآت عسكرية في القنيطرة شمال العاصمة الرباط، حيث تم تقييم البنية التحتية والقدرة الاستيعابية للمنطقة، في خطوة تؤكد جدية المشروع. وتتزامن هذه التحركات مع تسليم المغرب أول دفعة من طائرات أباتشي الهجومية من طراز AH-64E، ضمن صفقة تشمل 36 مروحية، وهو ما يعكس الارتقاء غير المسبوق في العلاقات الدفاعية بين البلدين.
وفي تصريحات للصحافة المغربية، أوضح الجنرال مايكل لانغلي، قائد “أفريكوم”، أن اختيار الموقع الجديد يأتي في سياق “إعادة تقييم الإستراتيجية الأمريكية في إفريقيا” وتعزيز الشراكات القائمة مع الحلفاء الموثوقين في القارة، مبرزاً أن المغرب يُعد من بين أكثر البلدان استقراراً وانخراطاً في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
دوافع النقل: الجغرافيا والتحولات الجيوسياسية
تعود فكرة نقل “أفريكوم” إلى القارة الإفريقية نفسها منذ سنوات، حيث تعرضت القيادة الأمريكية لانتقادات بخصوص استمرار وجودها خارج النطاق الجغرافي للمهام المنوطة بها. ومع تصاعد التوترات في منطقة الساحل، وتراجع الاستقرار في دول مثل النيجر ومالي، برز المغرب كخيار مثالي نظراً لموقعه الجغرافي الفريد، المطل على المحيط الأطلسي، وقربه من أوروبا والساحل الإفريقي.
كما يستفيد المغرب من بنية تحتية عسكرية متطورة، خاصة في منطقة القنيطرة، التي تضم قواعد جوية حديثة وقدرات اتصالية ولوجستية تؤهله لاستضافة مقر بحجم قيادة “أفريكوم”. ويأتي هذا التوجه في ظل تراجع الحضور الفرنسي في غرب إفريقيا، وتصاعد التغلغل الروسي عبر مجموعات مثل “فاغنر”، مما يفسح المجال أمام واشنطن لتوسيع نفوذها عبر بوابة الرباط.
الأسد الإفريقي… جسور التعاون
يشكل المغرب والولايات المتحدة ثنائياً عسكرياً استثنائياً على المستوى القاري، تؤطره مناورات “الأسد الإفريقي” السنوية، التي تُعد الأكبر من نوعها في إفريقيا. وتجرى هذه التدريبات المشتركة منذ عام 2004، وتشارك فيها جيوش من أوروبا وإفريقيا، وتغطي مجالات من الحرب الجوية إلى محاربة الإرهاب، ما يجعلها منصة مثالية لتعزيز الجاهزية والتنسيق العملياتي.
ويؤكد محللون أن هذه المناورات ساهمت في ترسيخ الثقة المتبادلة بين الجيشين المغربي والأمريكي، وأثبتت قدرة المغرب على قيادة مبادرات إقليمية تهم الأمن والاستقرار في محيطه القاري.
آثار إقليمية وتحولات استراتيجية
يأتي هذا التوجه الأمريكي في وقت تشهد فيه المنطقة مغرباً وجزائر توتراً سياسياً وعسكرياً متصاعداً. ونقل مقر “أفريكوم” إلى القنيطرة من شأنه أن يبعث برسالة صريحة إلى الجزائر ودول الساحل مفادها أن واشنطن باتت ترى في المغرب ركيزة أمنية محورية في المنطقة. كما أنه يشكّل إزاحة فعلية للدور الفرنسي المتراجع، ويعكس تغيّراً في تموضع النفوذ الغربي في إفريقيا.
أما على الصعيد الأوروبي، فقد أثار الخبر اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والعسكرية، خاصة في إسبانيا وفرنسا، إذ تخشى العواصم الأوروبية من فقدان تأثيرها التقليدي لصالح الولايات المتحدة، وهو ما قد يعيد خلط أوراق التنسيق الأمني في غرب ووسط إفريقيا.
الخلاصة: القنيطرة بوابة جديدة للنفوذ الأمريكي
إذا ما تم اتخاذ القرار النهائي، فإن نقل مقر “أفريكوم” إلى المغرب سيكون خطوة تاريخية تحمل أبعاداً عسكرية، دبلوماسية، وجيوسياسية كبيرة. فالمملكة المغربية، بما راكمته من استقرار سياسي وبنية دفاعية متطورة وعلاقات قوية مع الحلفاء الغربيين، تبدو مؤهلة للاضطلاع بدور محوري في صياغة توازنات جديدة في إفريقيا.
ومع صعود تهديدات الإرهاب، والاضطرابات في الساحل، والتنافس الدولي المتسارع على القارة، فإن تمركز القيادة الأمريكية في القنيطرة قد يشكل نقطة تحول في مستقبل الأمن الإفريقي لعقود قادمة.