لباس التخرج الجامعي… تقليد عالمي بجذور مغربية من جامعة القرويين

في كل ربيع، تتزين الجامعات عبر العالم بصفوف من الطلبة وهم يرتدون زي التخرج الأكاديمي المميز، ذلك الزي ذي الجبة السوداء والقبعة المربعة الذي أصبح رمزاً عالمياً للاحتفال بختام المرحلة الجامعية. ما يجهله كثيرون، هو أن هذا الزي الشهير ينحدر في أصله من المغرب، وتحديدًا من جامعة القرويين بمدينة فاس، والتي تُعتبر أقدم جامعة في العالم لا تزال قائمة وتمنح الشهادات العليا منذ أكثر من ألف عام.
تأسست جامعة القرويين سنة 859 ميلادية على يد السيدة فاطمة الفهرية، وتُعدّ مفخرةً للعالم الإسلامي وللإنسانية جمعاء، حيث كانت منارة للعلم والفكر والحضارة، استقطبت طلابًا وعلماء من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم أسماء أوروبية بارزة درست فيها أو تأثرت بمناهجها.
اللباس الأكاديمي: من فاس إلى العالم
كان من بين التقاليد الراسخة في جامعة القرويين أن يُمنح الطالب المتخرج “جبة العلم”، وهي لباس خاص يميز المتخرج عن باقي الطلبة، ويرمز إلى انتقاله من مرحلة التلقي إلى مرحلة الإجازة العلمية. هذا اللباس، الذي كان يُرتدى خلال مراسيم التخرج والاحتفاء بالعلم، تأثر به طلبة العلم القادمون من الأندلس وأوروبا، الذين نقلوا هذا التقليد إلى جامعات غرناطة وطليطلة، ثم إلى جامعات باريس وأوكسفورد وكامبردج في العصور الوسطى.
ومع مرور القرون، تم تطوير شكل اللباس الأكاديمي في أوروبا، إلا أنه احتفظ بعناصره الرمزية الأساسية التي تعود إلى الأصول المغربية، ومنها الجبة الفضفاضة والقبعة المربعة، التي يُقال إن رمزيتها مستمدة من شكل المحراب أو الكعبة، أي الاتجاه نحو العلم والحكمة.
تراث مغربي عالمي
يعكس هذا الامتداد الحضاري عمق التأثير الثقافي والعلمي الذي مارسه المغرب، من خلال جامعاته العريقة، في تشكيل ملامح التعليم العالي عبر القارات. ولا تزال العديد من المؤسسات الأكاديمية حول العالم تحتفي بهذا التقليد دون معرفة جذوره الأصلية المرتبطة بالحضارة المغربية الإسلامية.
وقد أكدت منظمة اليونسكو وموسوعة غينيس للأرقام القياسية أن جامعة القرويين هي أقدم جامعة في العالم تمنح الشهادات الجامعية بشكل مستمر، وهو ما يكرّس مكانة المغرب كواحد من ركائز التاريخ العلمي الإنساني.
ختامًا، فإن ارتداء زي التخرج ليس مجرد تقليد احتفالي، بل هو استحضارٌ لقرون من الإرث العلمي الذي بدأ من فاس، وتحديدًا من جامعة كانت وما زالت تضيء دروب المعرفة.