كريستيانو رونالدو وجزيرة ماديرا: جذور أمازيغية في قلب المحيط الأطلسي

عندما يُذكر اسم كريستيانو رونالدو، يتبادر إلى الذهن فورًا نجم كرة القدم العالمي، الحائز على الكرة الذهبية خمس مرات، وأحد أعظم اللاعبين في تاريخ اللعبة. لكن القليلين فقط يعرفون أن هذا الأسطورة الكروية تعود أصوله إلى جزيرة “ماديرا”، أو كما تُعرف في بعض المصادر القديمة باسم “تكّزيرت ن أوكشوط” — أي “جزيرة الخشب” بالأمازيغية.
جزيرة في قلب التاريخ
تقع جزيرة ماديرا في المحيط الأطلسي، شمال غرب إفريقيا، على مقربة من سواحل منطقة سوس المغربية. لا يبعد مطارها الدولي عن مطار مدينة أكادير سوى حوالي 45 دقيقة من الطيران. تاريخيًا، كانت هذه الجزيرة موطنًا لسكان أمازيغ قبل أن تسيطر عليها البرتغال في بدايات عصر الاستكشافات البحرية خلال القرن الخامس عشر، وتُدمج لاحقًا في السيادة البرتغالية لتصبح اليوم إقليماً ذاتي الحكم ضمن الدولة البرتغالية.
من “جزيرة الخشب” إلى رمز عالمي
الاسم التاريخي “جزيرة الخشب” يعود إلى كثافة غابات الجزيرة، والتي شكلت موردًا طبيعيًا مهمًا. فقد كانت هذه الغابات مصدرًا أساسيًا للأخشاب المستخدمة في صناعة السفن والبناء في المغرب وفي سائر مناطق شمال إفريقيا، خاصة خلال القرون الوسطى، حين كان العالم المتوسطي يشهد حركة تجارية وبحرية مزدهرة.
عاصمة الجزيرة، فونشال، هي مسقط رأس كريستيانو رونالدو، الذي أصبح رمزًا وطنيًا وعالميًا، حتى أن المطار الدولي هناك سُمي باسمه: “مطار كريستيانو رونالدو الدولي”. صورة اللاعب، وتمثاله البرونزي، يزينان مدخل المطار، في تكريم مستحق لابن الجزيرة البار.
جذور أمازيغية وهوية شمال إفريقية
رغم قرون من السيطرة الأوروبية، يحتفظ سكان ماديرا، مثل نظرائهم في جزر الكناري المجاورة، بملامحهم وهويتهم الثقافية التي تشير إلى أصولهم الأمازيغية. وتبرز هذه الجذور في ملامح الوجه، والعادات اليومية، وحتى في بعض الكلمات المتداولة باللهجة المحلية، التي تحتفظ بآثار لغوية وثقافية من الماضي الأمازيغي.
في السنوات الأخيرة، بدأ وعي السكان بأصولهم يتزايد، مدفوعًا بجهود بحثية وثقافية تسعى إلى إعادة الاعتبار لهوية الجزيرة الأصلية. ويظهر ذلك في عدد من الفعاليات المحلية التي تحتفي بالموسيقى والفلكلور، وتعيد قراءة تاريخ ماديرا من منظور شمال إفريقي.
جزر الأطلسي… امتداد أمازيغي منسي؟
يشير عدد من المؤرخين والباحثين إلى أن جزر ماديرا والكناري وأزور كانت جزءًا من الامتداد الجغرافي والثقافي للأمازيغ قبل أن يعاد رسم الخريطة السياسية في المنطقة إثر الحملات الاستعمارية الأوروبية. بل إن هناك من يذهب إلى القول بأن تلك الجزر كانت مراكز تبادل بحري وحضاري هامة بين الساحل الأطلسي والمراكز الحضارية في أعماق إفريقيا.
رونالدو… رمز عالمي بأصول ضاربة في القدم
في النهاية، يبقى كريستيانو رونالدو أكثر من مجرد لاعب كرة قدم. إنه ابن جزيرة تحمل في تضاريسها وحجارتها وجذوع أشجارها سردية تاريخية عميقة، وجزءًا من ذاكرة أمازيغية ضاربة في القدم، تُعيدنا إلى زمن كان فيه المحيط الأطلسي فضاءً مفتوحًا للتجارة والثقافة والتنقل.
ربما لم يتحدث رونالدو يومًا عن أصوله الأمازيغية، لكن ماديرا تحكي القصة بصمت… قصة جزيرة أفريقية أصبحت برتغالية، وأنجبت نجمًا عالميًا اسمه كريستيانو.