
في خطوة تهدف إلى احتواء الغضب المتزايد عقب حادث اختفاء مركب الصيد الساحلي “بنجلون” وما تبعه من جدل واسع، استقبلت كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، صباح الأربعاء 25 يونيو 2025، أسر البحارة المفقودين، مؤكدة لهم أن ملف اختفاء ذويهم يحظى بأولوية قصوى، ومتابعة جادة من طرف الوزارة والجهات المختصة.
وجاء اللقاء عقب تصاعد المطالب بالكشف عن مصير 17 بحارًا فُقدوا في ظروف غامضة منذ فبراير الماضي، حيث عبّرت كاتبة الدولة، الدريوش، عن تفهمها العميق للوضع النفسي الصعب الذي تمر به الأسر، مشيرة إلى أن الوزارة تواكب الملف منذ أكثر من أربعة أشهر، بتنسيق مع السلطات والإدارات المعنية، ضمن المساطر القانونية المنصوص عليها في مدونة التجارة البحرية.
لجنة مختصة وتحقيقات متعددة السيناريوهات
وأوضحت كاتبة الدولة، خلال اللقاء الذي افتُتح بتلاوة الفاتحة ترحمًا على المفقودين، أن لجنة مختلطة تم تشكيلها في 25 فبراير 2025، مكلفة بالتحقيق في الواقعة، وتواصل عملها في جمع المعطيات وتحليل القرائن المتاحة، في انتظار استكمال المهلة القانونية المحددة في ستة أشهر لإنجاز محضر التحقيق البحري النهائي.
وبخصوص الفرضيات المحتملة، ذكرت كاتبة الدولة أن كل السيناريوهات لا تزال مطروحة، مشيرة إلى أن المعطيات الأولية لا تؤكد وقوع اصطدام مباشر أو فعل إجرامي، باستثناء العثور على عوامة بحرية يُرجّح انتماؤها للمركب، في حين يبقى احتمال الانقلاب المفاجئ للسفينة بسبب سوء الأحوال الجوية هو الأقرب، خصوصًا مع غياب أي إشارة من جهاز الإغاثة عبر الساتل، الذي لم يُفعّل تلقائيًا أو يدويًا، وربما لم يكن مثبتًا بشكل صحيح.
كما لم تُستبعد فرضية اصطدام المركب بإحدى السفن التجارية، خاصة بالنظر إلى كثافة الحركة البحرية بالمنطقة. وقد تم التحقيق مع عدة سفن مرّت بالمجال البحري ذاته، بينها سفينة رُصدت لاحقًا بميناء روتردام، وأخرى تحمل علم ليبيريا، غير أن تحريات خفر السواحل والسلطات المختصة لم تُفضِ إلى أي أدلة حاسمة على حدوث اصطدام.
معاناة الأسر بين الانتظار والمساطر الإدارية
اللقاء أعاد إلى الواجهة المعاناة المركّبة التي تعيشها أسر المفقودين، خاصة مع بطء الإجراءات الإدارية المتعلقة بإثبات الوفاة، وهو ما يمنعهم من الاستفادة من التعويضات والتأمينات، ويزيد من حدة الألم النفسي والاجتماعي. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الحكومة تدرس مراجعة المدة القانونية التي تفصل بين الفقدان البحري وإعلان الوفاة، من سنة ويوم إلى ستة أشهر، في حين يطالب عدد من النشطاء بتقليصها إلى ثلاثة أشهر فقط.
وأكدت ذات المصادر أن هذا المطلب يجد دعمه في الطابع الخاص لحوادث فقدان البحارة، التي غالبًا ما تترافق بقرائن قوية تدل على الوفاة، سواء من خلال محاضر البحث أو حتى من العرف المجتمعي، حيث تعتبر عائلات الضحايا الغرق في البحر بمثابة وفاة مؤكدة، تُستتبع بإجراءات العزاء والعدة، لكن تغيب عنها فقط مراسم الدفن الرسمية.
مساعٍ لتحميل مؤسسات التأمين مسؤولياتها
من جانب آخر، دعت أسر المفقودين إلى تحمل شركات التأمين المتعاقد معها من طرف أرباب المراكب لمسؤولياتها الكاملة، مؤكدين أن تعقيدات المساطر وضبابية الوضع القانوني تحرمهم من أبسط حقوقهم، رغم أنهم كانوا معيلين لأسرهم. وطالبوا بإعادة النظر في طريقة تدبير تأمينات حوادث الشغل والوفاة في قطاع الصيد البحري، بما يضمن الإنصاف والكرامة.
تفاصيل الرحلة الأخيرة للمركب
يُذكر أن مركب “بنجلون” أبحر من أحد موانئ الجنوب يوم 7 فبراير 2025، قبل أن تتوقف إشارات التموقع بالأقمار الاصطناعية يوم 13 من الشهر نفسه. ولم يُبلّغ عن فقدانه إلا يوم 19 فبراير، حين أبدى مجهز السفينة قلقه إزاء تأخر عودته. وقد باشرت السلطات البحرية حينها عمليات تمشيط واسعة على بعد نحو 55 ميلاً غرب ميناء الداخلة، بمشاركة فرق الإنقاذ البحري والجوي، وسفن الصيد والتجارة العابرة، غير أن هذه الجهود لم تُسفر عن نتائج ملموسة حتى الآن.