عيد العرش المجيد.. رمزية البيعة الشرعية وتجذر الولاء عبر تاريخ المملكة

يُخلد الشعب المغربي، في 30 يوليوز من كل سنة، عيد العرش المجيد، وهي ذكرى غالية ومناسبة وطنية تجسد أسمى معاني الوفاء للعرش العلوي المجيد، وتجدد أواصر البيعة الشرعية التي تجمع بين الشعب والملك، في إطار نظام ملكي عريق متجذر في التاريخ، فريد في صيغته، وموحد في رمزيته.
🔹 البيعة الشرعية: أصل في الشرع وتجذر في التاريخ
تُعد البيعة في المغرب من أقدم الصيغ الشرعية لعقد الحكم، حيث تجمع بين مشروعية الدين ومشروعية التاريخ، وتستند إلى أصول فقهية مستقرة في المذهب المالكي الذي تبنته الدولة المغربية منذ قرون، وجعلت منه مرجعية دينية رسمية.
منذ قيام الدولة المغربية الأولى مع الأدارسة، مرورًا بالمرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين، ثم الدولة العلوية الشريفة التي تأسست منذ منتصف القرن السابع عشر، ظل عقد البيعة إطارًا جامعًا بين الحاكم والمحكوم، يقوم على الالتزام المتبادل: الملك يسهر على رعاية المصالح الدينية والدنيوية للشعب، والشعب يبادل الملك بالوفاء والطاعة في المعروف والدعاء بالنصر والتمكين.
🔹 العرش العلوي: استمرار ووحدة
تُمثل الأسرة العلوية الشريفة الامتداد الطبيعي والشرعي لتاريخ الحكم في المغرب، حيث جاء مولاي علي الشريف إلى تافيلالت في القرن السابع عشر، ليؤسس دولة جديدة موحدة، في مرحلة اتسمت بالتفكك والفراغ السياسي بعد نهاية حكم السعديين.
ومنذ ذلك الحين، توالت مظاهر البيعة لملوك الدولة العلوية، باعتبارهم من أشراف النسب الحسني، ومن رجال العلم والصلاح، وظل الشعب المغربي في مختلف جهاته يجدد ولاءه للملوك العلويين، في السراء والضراء، وفي السلم والمحنة، كما حدث خلال الاستعمار، حيث أصبحت البيعة رمزًا للمقاومة الوطنية ورفض الاستعمار والوصاية الأجنبية.
🔹 عيد العرش.. تجسيد حي للولاء المتبادل
يُمثل عيد العرش، الذي يُخلد ذكرى تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين منذ سنة 1999، مناسبة وطنية كبرى يتم من خلالها تجديد البيعة وتأكيد الولاء من مختلف فئات الشعب المغربي، أفرادًا ومؤسسات، مدنيين وعسكريين.
وتتخلل الاحتفالات بهذه المناسبة أنشطة ملكية رسمية، من بينها الخطاب الملكي السامي، وحفل الولاء الرمزي، إضافة إلى تكريم شخصيات وطنية بارزة في مجالات متعددة، وإطلاق مشاريع تنموية واجتماعية، في تعبير عملي عن مفهوم الملك المواطن.
🔹 البيعة والولاء في العصر الحديث: ولاء بالعقل لا بالعاطفة فقط
في العصر الحديث، لم تعد البيعة مجرّد طقس شكلي أو تراث تقليدي، بل أصبحت تعبيرًا عن وحدة الأمة المغربية، واستمرارية مشروعها السياسي تحت قيادة الملكية الدستورية، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الشرعية الدينية والنجاعة السياسية.
فالولاء اليوم هو ولاء بالوعي والمسؤولية، يقوم على التعاقد من أجل البناء والتنمية، وحماية المكتسبات الوطنية، والدفاع عن الثوابت: الإسلام المعتدل، والوحدة الوطنية والترابية، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
🇲🇦 ختامًا…
يأتي عيد العرش المجيد كل سنة ليجدد في وجدان المغاربة الاعتزاز بجذورهم التاريخية، والتمسك بمرجعيتهم الوطنية، والوفاء لملكهم محمد السادس نصره الله، الذي اختار أن يكون ملكًا قريبًا من الشعب، حريصًا على تنمية البلاد، وصون كرامة المواطن.
وستظل البيعة المغربية، على مر العصور، نموذجًا فريدًا في العالم الإسلامي، حيث يتكامل فيها الشرع والتاريخ، الدين والسياسة، القيادة والالتزام، في إطار دولة موحدة وذات سيادة، تصون الحق وتخدم الإنسان.