طقس تالغنجا: طقس مائي استسقائي في الذاكرة الجماعية

يُعد طقس تالغنجا من أبرز الطقوس المرتبطة بالماء والمطر في الثقافة الشعبية الأمازيغية بشمال إفريقيا، ويظهر كاستجابة جماعية للجفاف وتعبير عن العلاقة الروحية والرمزية التي تربط الإنسان بالأرض والماء. يرتكز هذا الطقس، المعروف في مناطق الأطلس وسوس، على صنع دمية تُسمى “تالغنجا” أو “عروسة الغيث”، تُصنع غالبًا من الخشب أو القصب وتُزين بملابس نسائية تقليدية. يحملها الأطفال أو النساء، ويجوبون بها الدواوير وهم يرددون أناشيد استسقاء مثل أنزار أبابا ربي توف توميت بوفگوس يوف بوفگوس اغرمي ( في بعض المناطق تكيضا) أحنين أيگا ربي ، ويتم رشّ الدمية بالماء أو يُسكب عليها الماء كرمز لاستحضار المطر، ما يعكس اعتقادا بأن تشبيه الأرض بالأنثى وسقيها بالماء سيعيد الخصوبة والتوازن الطبيعي.
وقد وصف روبير مونتاني في دراسته حول الريف المغربي هذا الطقس باعتباره احتفالًا شعبيًا يمزج بين الديني والأسطوري، حيث تُستدعى قوى الطبيعة عن طريق تمثيلات رمزية بدائية. كما أشار إدموند دوتي إلى أن مثل هذه الطقوس تستبطن معتقدات قديمة كالخصوبة، تعود إلى ما قبل الإسلام، لكنها وجدت لنفسها تعبيرا جديدا داخل الثقافة الإسلامية الشعبية. ويمكن مقارنة طقس تالغنجا بطقوس استسقائية أخرى عرفتها شعوب عدة، مثل طقس “بيربيرونا”
” في منطقة البلقان، حيث تُجوب دمية خشبية تُلبّس ثيابا نسوية وتُرش بالماء، وسط أغانٍ استسقائية، أو طقس “تيسموفوريا” في اليونان القديمة، حيث كانت النساء يحملن تمثالًا لإلهة المطر “ديميتر” ويمشين به في الحقول،
إن حضور الماء في طقس تالغنجا لا يُفهم فقط بوصفه موردا طبيعيا، بل كعنصر كوني حامل للبركة والحياة، و يرى في الوحدة والدعاء الجماعي وسيلة لإعادة الانسجام بين الإنسان والطبيعة. وقد تناول العديد من الباحثين هذا الطقس، منهم روبير مونتاني في كتابه “البربر والمخزن”، وإدموند دوتي في كتابه “السحر والدين في شمال إفريقيا”.
هل يمكن اعتبار تالغنجة طقسا تراثيا قابلا لإعادة التوظيف في السياحة الثقافية، أم أن قدسيته تعيق تسويقه؟