Uncategorized

حلم الدولة الوهمية ” للبوليساريو” … يتلاشى أمام جيل “الخوارزميات'”

بقلم: ذ.ابراهيم ابهوش – صحفي مغربي|
بعد خمسين عامًا من الشعارات الرنانة والوعود الزائفة، وبعد وقف إطلاق النار عام 1991 الذي كان يُفترض أن يكون خطوة نحو حل سياسي، بات الشباب الصحراوي يرفع صوته ليقول: كفى! لم يعد هناك مجال لاستمرار التضليل أو رهن الأجيال الجديدة بحلم دولة وهمية فوق أرضٍ مغربية واضحة السيادة والتاريخ والجغرافيا.

الزمن التنموي في المنطقة تعطل، والتكامل المغاربي ظل رهينة حسابات ضيقة، وكل المبادرات التي دفعت باتجاه الحل السلمي قوبلت برفض متكرر، لا سيما اليد الممدودة من المغرب تحت مظلة “الوطن الغفور الرحيم”، التي كان يمكن أن توفر لكثيرين فرصة العودة والاندماج في المجتمع المغربي دون عواقب. لكن في المقابل، استمرت الدعاية الموجهة في الترويج لفكرة الانفصال على الرغم من التحولات الدولية التي باتت تصب في اتجاه دعم مشروع الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام للصراع المفتعل حول الصحراء المغربية.

ومع تزايد الاعتراف الدولي بالموقف المغربي، بدأ الوعي الحقيقي يتغلغل بين الشباب الصحراوي، سواء في الأقاليم الجنوبية للمملكة أو في مخيمات تندوف التي أصبحت رمزًا لمأساة مستمرة منذ عقود. أدرك الصحراويون هناك أن المغرب ماضٍ في تنمية أقاليمه الجنوبية، في امتداد متوازن بين شماله وجنوبه وشرقه وغربه، مؤكدًا أنه دولة تستثمر في الإنسان والمجال، وأن الحل الوحيد أمامهم هو الانضمام إلى الوطن الأم والتخلي عن الفكر الانفصالي الذي لم يقدم لهم سوى مزيد من الحرمان والتهميش.

وجاء المشهد الصادم الذي جسّد هذا التحول، عندما أقدم أحد أبناء مدينة العيون، الذي كان يؤمن سابقًا بمشروع البوليساريو، على إحراق بطاقة عضويته في الكيان الانفصالي، ثم رفع بطاقته الوطنية المغربية البيومترية قائلاً: “هذه هي التي تمنحني الكرامة، دعوني عنكم!”. هذا الفعل الرمزي لم يكن مجرد حالة فردية، بل هو انعكاس لحقيقة أكبر: الصحراويون لم يعودوا مستعدين لأن يكونوا رهائن روايات عقيمة، بل يريدون الانخراط في مسار التنمية الفعلي الذي يرونه يتحقق أمام أعينهم في أقاليمهم.

وفي المقابل، تستمر القيادة الانفصالية في تندوف في احتجاز العائلات الصحراوية تحت خيام بالية، مستخدمةً مأساتهم كأداة للتسول وضمان مستقبل أبنائها، بينما تدفع أبناء القبائل الفقيرة إلى الموت في حرب عبثية لا تزال تُدار بطريقة تتعارض مع القانون الدولي، عبر هجمات العصابات والمناورات العسكرية التي لا تخدم أي قضية سوى ترسيخ الفوضى.

تتأكد مغربية الصحراء يومًا بعد يوم لدى من كانوا يؤمنون بدولة الوهم، ومع كل خطوة تنموية جديدة، يدرك المزيد من الشباب الصحراوي أن الرهان على الانفصال لم يكن سوى مشروع فارغ لم يحقق لهم سوى سنوات من المعاناة. جيل الناشئة اليوم، جيل “الخوارزميات”، بات أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على كشف المغالطات التي استمرت لعقود، وأكثر إدراكًا أن الواقع يختلف تمامًا عن الشعارات التي رُوِّج لها سابقًا.

الطموحات التي روّجت لها الجزائر وصنيعتها البوليساريو تتكسر يومًا بعد يوم أمام هذا الجيل، الذي لم يعد يقبل الخطابات المتكررة دون دليل، بل يعتمد على تحليل الوقائع واستقراء المستقبل بناءً على الحقائق الملموسة. في ظل هذا الوعي الجديد، يصبح واضحًا أن مغربية الصحراء ليست مجرد موقف سياسي، بل هي الأصل المتجذر في التاريخ والجغرافيا، بينما يبقى الانفصال بهتانًا لم يجد البرهان ليؤكده.

إحراق هذه البطاقة لم يكن مجرد احتجاج، بل كان إعلانًا بأن العقيدة الانفصالية فقدت جاذبيتها بين الشباب، وأن الجيل الجديد بات يبحث عن حلول عملية تضمن له الاستقرار بعيدًا عن الإيديولوجيا والسياسات غير الواقعية. لم يعد مشروع البوليساريو قادرًا على إقناع من عاشوا تجربة المخيمات وعانوا من العزلة، ولم يعد الحديث عن تقرير المصير مقنعًا لمن أدركوا أن المشروع لم يكن سوى أداة لتعطيل التنمية ورهن مستقبلهم بمصالح أطراف خارجية.

في ظل هذه التحولات، يبرز مشروع الحكم الذاتي كخيار متوازن يضمن لسكان الصحراء إدارة شؤونهم المحلية في إطار السيادة المغربية، وهو الحل الذي بدأ يحظى بتأييد دولي متزايد، في وقت تتراجع فيه أي احتمالات واقعية لقيام كيان منفصل.

مع استمرار هذه الصحوة، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة تقييم المسار الذي سارت عليه الأجيال السابقة، فالشباب الصحراوي اليوم أكثر وعيًا وأكثر جرأة في إعلان موقفه، واختياره الاستقرار والتنمية بدلًا من الشعارات التي لم تحقق شيئًا. الزمن لا ينتظر، والمستقبل يُبنى بالفعل لا بالأوهام، وفي قلب هذه المعادلة، تتأكد مغربية الصحراء يومًا بعد يوم.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button