Uncategorized

جبل تروبيك: ثروة الأعماق التي رسّخت السيادة المغربية في الأطلسي

✍️ بقلم: نجيب الأضادي – باحث ومدون

في زمن تعيد فيه الأمم صياغة مكانتها عبر التحكم في الموارد النادرة وتطويع الجغرافيا لخدمة السيادة، يُسطّر المغرب واحدة من أذكى وأهدأ معاركه الجيوستراتيجية، ليس بالبندقية أو الضجيج، بل بأدوات القانون الدولي، والعِلم، والرؤية الملكية الثابتة.

في عمق المحيط الأطلسي، حيث ترقد كتلة بركانية خامدة تُدعى “جبل تروبيك”، تُكتب فصول من كتاب السيادة المغربية الجديدة. ذلك الجبل، الذي كان إلى وقت قريب مجرّد موقع جيولوجي مغمور، تحوّل اليوم إلى أرض خصبة للرهانات الاستراتيجية، لما يحتويه من ثروات تكنولوجية نادرة، مثل التيلوريوم والكوبالت والذهب والمعادن الثقيلة، التي يُبنى عليها اقتصاد المستقبل.

لكن الأهم من الثروات… هو من يمتلك الحق السيادي في استغلالها.

▪️ 26 سنة من الحكمة والسيادة بهدوء ملكي

منذ تولي جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش البلاد، ظلّ المغرب يُمارس سياسة سيادية ذكية تُراكم الإنجازات بعيدًا عن الانفعالات، سياسة تعتبر أن الشرعية الدولية، والبنية المؤسسية، والمعطى العلمي هي أدوات البناء الحقيقي لقوة الدولة.

ولذلك، لم يكن عبثًا أن تبدأ المعركة الصامتة حول تروبيك بإعداد مشاريع قوانين ترسيم الحدود البحرية منذ سنة 2017، وتمر من جميع مؤسسات التشريع والمصادقة، إلى أن ختمها جلالة الملك بتوقيعه الرسمي سنة 2020، ليُثبت المغرب، للعالم، أن حدوده البحرية ليست موضوع نزاع، بل عنوان لسيادة واضحة ومعلنة.

ولم يقف الأمر عند القوانين، بل أذن جلالته بأنشطة البحث العلمي البحري في المياه الوطنية، ووقّع على مرسوم يرخص لأول مرة للجامعات والمؤسسات باستكشاف ثروات الأعماق… في نفس الوقت الذي كانت فيه القوات الإسبانية تُلوّح بالمقاتلات F-18 في عرض الأطلسي.

لكن المغرب لم يُطلق رصاصة، بل أطلق سفينة علمية متطورة من اليابان، قادرة على التنقيب في عمق 1000 متر، وأرسلها في مهمة بحث وتثبيت.

▪️ ما بين جبل تروبيك… و”الجبل الذي لا يهتز”

إن جبل تروبيك لم يكن فقط اختبارًا لمعادلات الجيولوجيا، بل كان امتحانًا لثبات القرار السيادي المغربي. لم يستجب المغرب للاستفزازات، لم يدخل حرب بيانات، بل ردّ بالقانون، وبالعلم، وبالقرار الملكي الصامت والمُحكم.

في هذه المعركة الرمزية، لم يكن الهدف فقط جبلًا من الصخور تحت البحر، بل إثبات أن المغرب الجديد يعرف موقعه في العالم، ويدير موارده بذكاء الكبار، لا بانفعال الصغار.

▪️ الأطلسي… الفضاء المغربي القادم

من ميناء الداخلة الأطلسي إلى مشاريع الطاقات المتجددة، ومن سيادة غذائية ودوائية إلى قوة صناعية وليدة، يرسم المغرب وجهًا جديدًا لمنطقة الأطلسي. وجبل تروبيك ليس سوى أول حجر في هذا البناء السيادي الهادئ والمستدام.

فمن يُمسك بجبل في قاع المحيط… قد يُمسك بمفاتيح التوازنات القادمة، ويجلس على طاولة الكبار لا كضيف، بل كشريكٍ ندّيٍّ مؤثّر.

🔚 والمغرب… هو الدولة التي تفهم أن السيادة لا تُنتزع بالصوت المرتفع، بل تُبنى بالصبر، والمؤسسات، والبُعد الملكي الذي يرى أبعد مما يرى الآخرون.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button