كتاب الرأيوطنيات

الإعلام شريك الدبلوماسية في ترسيخ التعاون جنوب – جنوب.

أضحى الإعلام في زمن الثورة الرقمية فاعلا رئيسيا في نسج خيوط العلاقات الدولية، لا سيما تلك التي تندرج ضمن مقاربة التعاون جنوب-جنوب، حيث بات يشكل جسرا يربط بين الشعوب، ويوطد العلاقات بين الدول، ويسوق للخيارات السياسية والإقتصادية والثقافية في أبهى صورها. فلم يعد الإعلام مجرد ناقل للمعلومة أو آلية لتداول الأخبار، بل أصبح أداة إستراتيجية بامتياز، تساهم في بناء الرأي العام وصناعة التوجهات الكبرى، وفي الدفاع عن القضايا الوطنية العادلة، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، الذي جعل من الإعلام رافعة أساسية لتعزيز حضوره في إفريقيا، وتثبيت أقدامه ضمن محيطه الحيوي والتاريخي.

لقد وعى المغرب، في ظل الغياب الذي عرفه عن مؤسسات الاتحاد الإفريقي في فترة معينة ، بضرورة إستثمار الأدوات الناعمة للدبلوماسية، وفي مقدمتها الإعلام، من أجل ملئ الفجوة وتعويض الغياب ، وذلك بإعتماد سياسة خارجية نشطة تقوم على الانفتاح، وتكريس مبدأ رابح-رابح في علاقاته مع دول القارة . فكانت الزيارات المتكررة لجلالة الملك محمد السادس لعدد من الدول الإفريقية، ترجمة عملية لرؤية متكاملة ترى في التعاون جنوب-جنوب خيارا استراتيجيا لبناء إفريقيا جديدة، تتخلص من مخلفات الإستعمار والإنقسام، وتؤمن بضرورة التكامل الإقتصادي والتقارب الثقافي من أجل مستقبل مشترك.
ولقد لعب الإعلام دورا محوريا في إنجاح هذا التوجه، سواء من خلال الترويج لمبادرات المملكة ومشاريعها التنموية في القارة، أو من خلال فضح حملات التشويش والتضليل التي تحاول عرقلة هذا المسار. فالإعلام بما يملكه من أدوات التأثير بات شريكا للدبلوماسية ، ولسانا ناطقا باسمها ورافعة لنشر قيم التضامن والتكامل والوحدة، ووسيلة فعالة في التسويق للفرص التي يتيحها التعاون بين دول الجنوب، خاصة في المجالات الحيوية كالأمن الغذائي والطاقي والتعليم والتكوين المهني والهجرة ومحاربة التطرف والإرهاب.
ولا يمكن لأي شراكة جنوبية أن تنجح دون إعلام مسؤول، قادر على تجاوز الخطابات النمطية، وتكريس منطق الإحترام المتبادل، وتقوية الوعي الجمعي بوحدة المصير الإفريقي، كما لا يمكن لأي مشروع وحدوي أن يترسخ دون دعم مؤسسات إعلامية عابرة للحدود، تعلي من منطق التعاون بدل التنافس، ومن روح البناء المشترك بدل الهيمنة أو التبعية.
لقد أظهرت التجربة المغربية، أن الانخراط الفعلي في قضايا القارة، لا يمر فقط عبر الإستثمار في البنيات التحتية أو تمويل المشاريع الإقتصادية، بل يمر أيضا عبر كسب المعركة الرمزية داخل الفضاء الإعلامي، من خلال إبراز النموذج المغربي في التنمية، وتقديم مرافعته الخاصة حول قضاياه الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، التي تسعى بعض الجهات إلى طمس حقيقتها عبر توظيف أدوات إعلامية مأجورة.
إن تطوير العلاقات جنوب-جنوب يتطلب من الدول الإفريقية بناء منظومة إعلامية قارية، تتحرر من التبعية للمراكز الإعلامية الغربية، وتعلي من صوت إفريقيا الإفريقية، وتسهم في خلق رأي عام قاري يدافع عن قضايا القارة من داخلها، لا من خارج جغرافيتها .
وإذا كانت بعض الدول الغربية قد أدركت في وقت مبكر ، خطورة الإعلام وأهميته في التموقع داخل الفضاءات الثقافية والسياسية للدول الأخرى، فسارعت إلى تكثيف حضورها الإعلامي والدبلوماسي في العالم العربي والإفريقي، فإن الوقت قد حان بالنسبة للدول الإفريقية لكي تنفض عنها غبار التبعية، وتبني استقلالا إعلاميا يوازي طموحها السياسي، ويسند تطلعها نحو وحدة إقتصادية و ثقافية مستدامة.

ختاما ، الإعلام والدبلوماسية توأمان متلازمان ، يؤثر كل منهما في الآخر، ويصنعان معا صورة الدولة، ويحددان مكانتها في العالم. ومن دون إعلام إفريقي قوي وحر ومسؤول، لن تتحقق تلك النقلة المرجوة في العلاقات جنوب-جنوب، ولن تترسخ القيم التي تنشدها القارة، من سلام وتنمية وعدالة وكرامة، ولا تلك الوحدة المنشودة التي ستجعل من إفريقيا قوة وازنة في عالم متعدد الأقطاب.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button