Uncategorized

إنتخابات 2026 إصلاحات منتظرة تحكمها رهانات التحديث وضمان الحياد

تتهيأ الساحة السياسية المغربية لدخول منعطف حاسم مع اقتراب إستحقاقات 2026، حيث إنطلقت وزارة الداخلية في مشاورات موسعة مع مختلف الأحزاب السياسية لمراجعة مدونة الإنتخابات، وتحيينها بما ينسجم مع متغيرات المرحلة ورهاناتها. وإذا كان الإجماع الحزبي إنصب على ضرورة تخليق الممارسة السياسية وتشديد الرقابة على المال الإنتخابي وتوسيع قاعدة التمثيل لتشمل الشباب والنساء ومغاربة العالم، فإن جوهر الإصلاح يظل مرهونا بمدى قدرة الدولة على تحصين حياد الإدارة الإنتخابية وجعلها أداة ضامنة لتكافؤ الفرص . فالثقة في صناديق الاقتراع لا تستمد من النصوص وحدها مهما بلغت دقتها، بل من صرامة التعليمات الموجهة إلى الولاة والعمال، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية كبرى في السهر على نزاهة المسار وحماية حق المواطن في إختيار ممثليه بحرية ومسؤولية.

إن المغرب، وهو على أعتاب عقد جديد من الإصلاحات الكبرى، مدعو إلى جعل محطة 2026 لحظة فاصلة في مسار تكريس النزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصا بعدما كشفت تجارب سابقة عن إختلالات راسخة في إستعمال المال والنفوذ وإعادة إنتاج أنماط تقليدية للتأثير على الناخبين. لقد أثبتت إنتخابات 2016 حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورة العملية الإنتخابية حينما يتسرب المال غير المشروع إلى بعض الدوائر، كما أظهرت إنتخابات 2021 أن الصرامة والحياد من طرف الإدارة الترابية قادران على رفع منسوب الثقة وإضعاف تأثير المال الانتخابي، بعدما أشيد بمواقف بعض الولاة والعمال الذين التزموا بتطبيق القانون بصرامة ودون تردد. وهنا يتأكد أن أي إصلاح مرتقب لمدونة الإنتخابات سيظل شكليا إن لم يقترن بصرامة في التنفيذ وحياد كامل من قبل الإدارة الترابية، لأن القوانين مهما بلغت من دقة تبقى عرضة للفراغ ما لم تجد من يحميها بوعي ومسؤولية ونزاهة.
إن إعادة فتح النقاش حول لائحة الشباب وتعزيز حضور النساء ومغاربة العالم في المؤسسة التشريعية يعكس إرادة جماعية في تجديد النخب وضخ دماء جديدة في الحياة السياسية، غير أن نجاح هذه الطموحات سيظل رهيناً بتطبيق محكم وحيادي للقانون، بعيدا عن كل أشكال الإنحياز أو التراخي في مواجهة الخروقات. إن وزارة الداخلية تتحمل اليوم مسؤولية دقيقة في توجيه الولاة والعمال نحو الالتزام الحرفي بالحياد، لأن أي إنزلاق في هذا المجال كفيل بأن يعصف بمصداقية العملية الإنتخابية برمتها.

ختاما، إن إنتخابات 2026 ليست مجرد موعد انتخابي ، بل محطة سياسية فارقة تفرض أن تؤسس لمرحلة جديدة من الممارسة الديمقراطية المغربية، قائمة على التحديث المؤسسي والصرامة في ضبط المسار والنزاهة في الإدارة الإنتخابية والشفافية في التنافس. إنها لحظة فاصلة بين منطق إعادة إنتاج الأعطاب القديمة وبين بناء ثقة متجددة تعكس إرادة الأمة، وتمنح للمغرب نموذجا سياسيا يليق بتاريخه وتطلعاته المستقبلية.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button