Uncategorized

“دار الباشا الحاج حماد بن ميس بتارودانت”… عندما ينطق التاريخ من جدران “دار البارود”

تارودانت –
في قلب المدينة العتيقة لتارودانت، تنتصب معلمة تاريخية بصمت على قرن من الزمن، شاهدة على عصر القوة والسيادة المحلية، إنها “دار الباشا الحاج حماد بن ميس”، المعروفة في الذاكرة الشعبية باسم “دار البارود”، التي بُنيت سنة 1928، لتصبح واحدة من أبرز المعالم المعمارية والسياسية في تاريخ الجنوب المغربي.

■ بيت سلطة أم قلعة مقاومة؟

لم تكن “دار البارود” مجرد مقر إقامة لشخصية نافذة، بل كانت مركزًا للحكم المحلي، ونقطة التقاء للوجهاء والسلطة والمفاوضات. وقد شيّدها الباشا الحاج حماد بن ميس، أحد كبار القادة المحليين في زمن ما قبل الاستقلال، على أنقاض موقع يُعرف بكونه مكانًا لتخزين البارود والأسلحة في عهد الدولة السعدية، ما يفسّر التسمية المتداولة للدار حتى اليوم.

الباشا بن ميس، الذي عرف بصلابته ودهائه السياسي، لم يكتفِ ببناء قصر فخم، بل أقام معقلًا استراتيجيًا بطابع معماري راقٍ ومتين، يدمج بين الزخرفة المغربية التقليدية والصلابة الدفاعية، ليجعل منه قصرًا للهيبة والحكم.

■ معمار مغربي خالص

عند الولوج إلى “دار البارود”، يأسرك جمال البهو الواسع، والنقوش الجبسية الدقيقة، وأعمال الزليج البلدي التي تزين الجدران، إلى جانب الأسقف الخشبية المزركشة بروح فنية عالية. كما تحتوي الدار على حدائق داخلية، وأجنحة متعددة للاستقبال والإقامة، وساحة مركزية تضاهي في فخامتها قصور مراكش وفاس.

وتقول شهادات تاريخية، من بينها ما دوّنه المؤرخ محمد المختار السوسي، إن الدار كانت “روضا فسيحًا يعكس مهابة صاحبها”، حيث كتب عنها في أحد مؤلفاته بعد زيارته لها سنة 1944، مشيرًا إلى رفعتها المعمارية وأدوارها السياسية.

■ دار البارود اليوم… ذاكرة منسية

رغم القيمة التاريخية والرمزية التي تحيط بـ”دار البارود”، فإن وضعها الحالي يثير الحسرة والأسى. فالدار، التي لا تزال في ملكية خاصة، أغلقت أبوابها في وجه العموم، وتحولت مع مرور الزمن إلى معلم مغلق في وجه الزوار والباحثين، تنتظر التفاتة جادة من الجهات الوصية على التراث والثقافة.

ويطالب عدد من أبناء المدينة والفاعلين الثقافيين بتحويل الدار إلى متحف للذاكرة الرودانية أو مركز ثقافي يليق بمكانتها، لما تختزنه من رمزية تاريخية ووثائق وقطع أثرية نادرة.

■ بين الأمس والغد…

تمثل “دار الباشا الحاج حماد بن ميس” أكثر من مجرد مبنى أثري؛ إنها مرآة لتاريخ سياسي واجتماعي حافل عاشته تارودانت، وصرح معماري يروي قصص السلطة والتحول في مغرب ما قبل الاستقلال.

فهل تعود الحياة إلى جدران هذه المعلمة؟
وهل يتحقق حلم فتح “دار البارود” أمام العموم لتتحول إلى فضاء للذاكرة والهوية؟
أسئلة معلقة… لكن المؤكد أن التاريخ لا يُدفن، بل يظل حيًا في الحجر، ينتظر من يُصغي إليه.


الصورة المرافقة:
صورة أرشيفية لبهو دار البارود – تارودانت (1928).
حقوق النشر: محفوظة لأرشيف المدينة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button