Uncategorized

ترامب – تبون: رسالة بروتوكولية مشبعة بالرسائل السياسية

في خضم احتفالات الجزائر بالذكرى السنوية لاستقلالها، بعث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برسالة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. ورغم أن هذه الرسالة تصنّف ضمن الإطار البروتوكولي المعتاد في المناسبات الوطنية، إلا أنها لم تخلُ من رسائل سياسية واضحة، تشير إلى رؤية أمريكية متجددة تجاه المنطقة المغاربية.

أولاً: دعوة مبطنة نحو الاستقرار الإقليمي

أبرز ما ورد في الرسالة هو تأكيد ترامب على أهمية “الاستقرار الإقليمي” في المنطقة المغاربية، وهو مصطلح دبلوماسي لكنه يختزن مضموناً سياسياً كبيراً. إذ لا يمكن الحديث عن استقرار فعلي في شمال إفريقيا دون طيّ صفحة الخلاف التاريخي بين الجزائر والمغرب، لا سيما ما يتعلّق بملف الصحراء المغربية.
وتُقرأ هذه الإشارة الأميركية – ولو بلغة ناعمة – على أنها دعوة صريحة للجزائر للانخراط في مسار المصالحة مع الرباط، وفق تصور المجتمع الدولي، الذي بات يميل بشكل متزايد إلى دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي كحلّ واقعي للنزاع.

ثانياً: الأمن المشترك ومكافحة الإرهاب

أشار ترامب كذلك إلى جهود الجزائر في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود، وهو ثناء دبلوماسي يحمل في طياته دعوة غير مباشرة إلى تعزيز التعاون الأمني بين دول المنطقة. فالولايات المتحدة تدرك أن مكافحة الإرهاب لا تتحقق في بيئة من التوتر السياسي والجغرافي، بل تتطلب تنسيقاً فعلياً بين العواصم المغاربية، وهو أمر يظل صعباً في ظل القطيعة القائمة بين الجزائر والمغرب.

ثالثاً: رسالة أمريكية أوسع: مغرب عربي جديد

الرسالة المقتضبة تكشف عن رؤية أمريكية أوسع لحاضر ومستقبل المغرب العربي. واشنطن ترى أن عهد الجمود والصراعات المرتبطة بالنزاعات التاريخية قد استُهلك، وأن الوقت حان لتأسيس مرحلة جديدة قوامها التعاون والتكامل، لا الانقسام والمواجهة.
كلمة “الاستقرار الإقليمي” هنا ليست فقط تعبيراً بروتوكولياً، بل إشارة قوية بأن الإدارة الأمريكية – سواء الحالية أو المحتملة في عهد ترامب إذا عاد للبيت الأبيض – تضع ملف المصالحة بين الرباط والجزائر كأحد مفاتيح استقرار المنطقة بأكملها، خصوصاً في ظل التهديدات الإرهابية في الساحل والفراغات الأمنية المتزايدة في جوار الجزائر الجغرافي.

خلاصة:

رسالة ترامب إلى تبون لم تكن فقط تهنئة عيدية، بل تحمل بين سطورها دعوة استراتيجية إلى الجزائر للانخراط في مسار جديد يعيد رسم خارطة التحالفات والسياسات في المغرب العربي.
وإذا قرأها صناع القرار في الجزائر جيداً، فإنها قد تشكل إحدى الإشارات الخارجية التي تسبق تحولات داخلية وإقليمية قادمة، تسير نحو تصفير التوتر وبناء مغرب عربي مستقر يخدم مصالح شعوبه، ويعزز موقعه في المعادلات الجيوسياسية الدولية.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button