Uncategorized

اهداء إلى روح الحسن الثاني هذاالملك_العظيم

✍️نجيب_الأضادي

كان للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله هيبة خاصة وكاريزما حباه الله بها منذ نعومة أظافره، ظل يغبطه عليها القريب والبعيد، فمن جاوروه أو عارضوه جميعهم اعترفوا بأنه، رحمه الله، كان شخصية نادرة قلما يجود الزمان بمثلها في العالم العربي والإسلامي، فراسة وذكاء ثاقب وقدرة على قراءة المستقبل وقوة شخصية جعلته حازما في الدفاع عن المغرب الذي أحبه ودافع عنه بكل ما أوتي من قوة حتى آخر رمق.

جاءت ولادة الملك الحسن الثاني في ظرف تاريخي دقيق كان فيه المغرب يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي، كان فكره سلاحه، وآمن أن الكلمة البليغة الصادقة هي أقوى من البندقية، فتمكن من اللغة الفرنسية باكرا وفهم ثقافة الفرنسيين وكانت ثقافته وعلمه سلاحه في مواجهة المستعمر، كان صارما وحازما وهو يواجه بعزيمته وايمانه القوي ببلده فرنسا بجيوشها الاستعمارية وقوتها الدولية، ومازالت حواراته، رحمه الله تعالى، وهو شاب يافع في الخمسينيات من القرن الماضي- لم يتوج بعد ملكا على عرش الإمبراطورية الشريفة- مصدر إلهام لعدة أجيال متعاقبة إلى يوم الناس هذا.

كل من خبروا الحسن الثاني وجدوه سياسيا محنكا وقادرا على مجابهة أعتى رجالات السياسية بصفاء الذهن وبلاغة الكلمة وصلابة الموقف، فكان الصحافيون ورجالات السياسة الفرنسيين غالبا ما يقصدونه لاستمزاج رأيه بخصوص رؤيته لمستقبل المغرب والعالم العربي، كان الفرنسيون معجبين بشخصيته القوية بيد أنهم كانوا يخشونه في نفس الآن، لأنهم كانوا يدركون أن الأمير الشاب سيكون لا محالة ملكا عظيما سيعيد للمغرب هيبته، كان نبراسه يومها والده الملك محمد الخامس طيب الله ثراه الذي كان متاعه ورعه وإيمانه العميق بقدرة الله تعالى على نصرة الحق، وهو ما كان زاده في رحلة شاقة لتحرير المغرب من قبضة المستعمر.

بعد انقضاء فرحة الاستقلال سيجد ولي العهد مولاي الحسن نفسه في مواجهة تحديات بناء الدولة بعد ظهور الأطماع الداخلية والخارجية وتحكم الأيديولوجيات الشرقية في توجهات بعض التيارات السياسية المتأثرة بما كان يعيشه العالم في ظل الحرب الباردة، وكان حلم مولاي الحسن هو أن يبني بلدا حديثا وعصريا دون أن يفقد المغرب أصالته أو هويته أو يركن إلى تقليد أعمى لبعض النماذج التي كان بريقها وقتها يعمي الأبصار، كان ولي عهد المغرب المستقل -الذي سيصبح ملكا -حازما في الدفاع عن مجد أجداده وتاريخ بلاده، موقنا أن تخلي المغرب عن جذوره سيجعله بلدا في مهب الريح.

واجه الملك الحسن الثاني جزءا من الحركة الوطنية الذي اختلف معه في تصور بناء الدولة الوطنية لما بعد الاستقلال بحزم قبل أن يقتنع هذا الجزء بحكمة وصواب رؤية الملك الحسن الثاني، ألم يقل حميد برادة، وهو العالم بخبايا وأسرار المعارضة المغربية في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” عام 2006 ” لقد ظلمنا الحسن الثاني”، بل إن غالبية مكونات الحركة الوطنية ستدرك صواب رؤية الملك الحسن الثاني عندما راجعت مواقفها في بداية السبعينيات وانخرطت في المسيرة الخضراء لاسترجاع جزء من هذا الوطن، وانخرطت تدريجيا في الحقل السياسي بالمغرب منذ انتخابات عام 1977، وكلما اشتد الخلاف بين الملك الحسن الثاني وأحزاب الكتلة الوطنية، كان للملك القدرة على فتح نوافذ جديدة ومد المزيد من الجسور حتى في أحلك اللحظات، وهو ما توج بالتناوب التوافقي الذي شكل تجربة فريدة في العالم العربي في نهاية التسعينيات.

كان الملك الحسن الثاني يكابد من أجل ضمان استقرار المغرب السياسي بعد الاستقلال عندما جاءت الضربة الأولى من طرف الانقلابيين صيف عام 1971 في الصخيرات، ولم يكد المغرب يستفق من تلك المحاولة الانقلابية حتى جاءت المحاولة الانقلابية الثانية على يد الجنرال أوفقير باستهداف الطائرة الملكية جوا وهي عائدة إلى مطار الرباط-سلا يوم 16 غشت 1972، نجى الملك الحسن الثاني بأعجوبة من المحاولتين بفضل العناية الإلهية ولطف الأقدار وبفضل ذكاءه المتقد وفطنته وقدرته العالية على ضبط النفس في أوقات الشدة. وفطن عندها إلى ضرورة تطهير المغرب من بعض ” النباتات الضارة” التي ألحقت الكثير من الأذى بالمغرب وهددت أمنه الداخلي في توقيت شديد الصعوبة.

كان الحسن الثاني وطنيا غيورا على الوحدة الترابية للمملكة وجبلا صامدا أمام الحرب التي خاضتها الجزائر بالوكالة عبر انفصالي البوليساريو طيلة سنوات طويلة لتقسيم المغرب عرقلة تنميته وقاد الملك الحسن الثاني القوات المسلحة الملكية بتوجيهاته وحنكته وصبره، فخاضت قواتنا المسلحة معارك بطولية ببسالة وروح وطنية نادرة، وكان حازما في خطاباته مع الجارة الشرقية وصلبا في الوقوف أمام مناورات تفكيك المغرب من طرف الجار القريب والتي هي أشبه بمناورات المستعمر الذي عمد إلى تفكيك المغرب مع بداية القرن العشرين ليسهل افتراسه.

ثقافة الملك الحسن الثاني الواسعة وفراسته وقدرته الكبيرة على قراءة التحولات الدولية جعلته دائما سابقا لعصره وقادرا على استشراف اتجاهات التحولات الدولية، فلم يكن رجل دولة في المغرب فحسب، بل قامة عالمية لها كلمة مسموعة في العالم بأسره، فعندما كان الملك الحسن الثاني يتكلم، يسود الصمت و ينصت له الجميع ويشرع رؤساء الدول والملوك في تدوين ما يقول، فقد مد الجسور بين دول شرق العالم العربي وغربه وكان من صناع السلام في الكثير من الأوقات العصيبة بينها رفضه لاجتياح العراق للكويت وتحذيره للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكان خطابه الشهير أشبه بقراءة في المستقبل، آمن بالسلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين وبذل الكثير من الجهد حتى لا تصل الأمور لما نعيشه اليوم من مآسي في المنطقة، كان قارئا نهما للصحف الدولية وبلغات متعددة، يخصص وقتا طويلا من وقته للقراءة ويناقش أعتى العلماء في الأمور الدينية ويجادل أفقه اللغويين في فرنسا في بعض التعابير باللغة الفرنسية، يبهر جلسائه من الملوك وقادة الدول باطلاعه الواسع على مجريات الأمور في العالم و يهرعون إلى الرباط طلبا للنصح والمشاورة كلما احتاجوا إليها.

كانت جنازة الحسن الثاني يوم 25 يوليوز 1999 حدثا يشي بعظمة هذا الملك العلوي الذي طبع القرن العشرين بحكمته وتبصره وحنكته، فقد كان أبا لكل المغاربة حنونا وصارما، مؤمنا ب” التربية قبل التعليم” ومدافعا عن المغرب ووحدته الترابية دفاع الرجل عن مسكنه وعرضه، عكست جنازته التي جاء إليها الملوك ورؤساء الدول من شرق الدنيا و غربها المكانة التي كان يحظى بها هذا الملك العظيم في عيون العالم، كلهم جاؤوا لتوديعه في ذلك اليومي الصيفي القائظ، غاب جسد هذا الملك العظيم، لكن روحه الطاهرة وفكره وبصماته وأياديه البيضاء مازالت شاهدت علي عظمته وحضوره الوازن في كل أصقاع الدنيا، وما خطه بمداد من ذهب من صفحات في تاريخ المغرب لم يمحى من ذاكرة الأجيال التي عاصرته وتلك التي انبهرت بجميل كلامه وعبقرتيه الحية في نفوس كل المغاربة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button