Uncategorized

كونوا محامين عن إنسانيتكم… في زمنٍ تتبدّل فيه الوجوه والقيم

بقلم: حسن كرياط : باحث في الاعلام – المغرب

في زمنٍ تتغيّر فيه الوجوه كما تتغيّر الأقنعة، وتختلط فيه القيم حتى يصعب التمييز بين الصدق والزيف، تظلّ الإنسانية هي آخر ما يمكن أن نتمسك به لنحافظ على ملامحنا الأصلية في مرآة الحياة. لم تعد المعارك تُخاض بالسلاح فقط، بل بالقيم والمواقف، ولم يعد الانتصار يقاس بما نحصل عليه، بل بما لا نتنازل عنه مهما ضاق بنا الطريق.

كونوا محامين عن ذواتكم، لا بلسان القانون فحسب، بل ببدلاتكم الإنسانية التي خُلقتم بها، تلك التي لا تُفصَّل على مقاس المصلحة ولا تُغيّرها تقلبات الزمان. لا تساوموا على جوهركم، ولا تنكسروا تحت وطأة اللحظة، فالقيمة الحقيقية للإنسان ليست فيما يملك، بل في ما يصمد عليه حين يتداعى كل شيء من حوله.

كونوا أنتم المحكمة والخصم والدفاع في آنٍ واحد، ترافعون عن حقكم في الوجود الحر وعن كرامتكم التي تُغتصب كل يوم باسم النظام أو الخوف أو التنازل. لا تنتظروا من العالم أن يمنحكم العدالة، بل اصنعوها في أعماقكم، فكل إنسانٍ عادلٍ مع نفسه يضيف إلى هذا الكون قبسًا من النور في مواجهة ظلامٍ يتكاثر بلا هوادة.

كونوا السلاح حين يشتد الضعف، لا لتؤذوا، بل لتحموا ما تبقّى فيكم من إنسانية. وكونوا الصوت حين يصمت الجميع، الصوت الذي يجرح الصمت ويوقظ الضمائر النائمة على وسادة اللامبالاة. لا تركعوا للظروف مهما اشتدّت، فالمحن ليست إلا امتحانًا لمدى رسوخكم في الأرض التي نبتّم منها، ولعمق جذوركم التي لا تقتلعها الرياح.

كونوا العيون التي تدمع لحزن الآخرين، والابتسامات التي تضيء وجوههم حين تشرق لحظة فرحٍ عابرة. لا تنغلقوا داخل ذواتكم؛ فالإنسان الحقيقي لا يعيش لنفسه وحده، بل يتسع قلبه ليحتضن العالم بأسره. كونوا الشموع التي تذوب لتضيء دروب الآخرين، حتى وإن احترقت في صمتها، فثمن النور دائمًا هو الفناء الجميل.

كونوا الأحلام التي تسير أمام القوافل، تجرّ خلفها آمال المستضعفين والمقهورين، وتزرع فيهم بذور الرجاء. وكونوا القلوب الكبيرة التي تعانق الألم دون أن تسأل عن لونه أو أصله أو عقيدته. فالعظمة ليست في القوة، بل في القدرة على احتضان الضعف دون ازدراء.

كونوا الأرض الخصبة التي تحتضن بذور الأمل في زمنٍ تصحّر فيه الضمير، وامضوا في دربكم مرفوعي الرأس. فليس المطلوب أن تكونوا أبطالًا أسطوريين، بل أن تكونوا بشرًا في زمنٍ نسيَ معنى الإنسان.

وفي عالمٍ تتبدّل فيه القيم كما تتبدّل الفصول، لا تضعوا بوصلتكم في جيب أحد، ولا تتركوا موازينكم الأخلاقية تُوزن على كفة الآخرين. فأن تكونوا كما أنتم — بصدقكم، بضعفكم، بإصراركم، بإنسانيتكم العارية من الزيف — هو أسمى أشكال المقاومة في زمنٍ يبيع فيه الناس وجوههم كما يبدّلون أثوابهم.

ابقوا إنسانيين… ولو وحدكم في ساحةٍ تعجّ بالمتشابهين. فالنبل لا يُقاس بعدد من يصفق لكم، بل بقدرتكم على البقاء مضيئين، حتى حين ينطفئ العالم من حولكم.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button