Uncategorized

الأحزاب السياسية المغربية: من الصراع الإيديولوجي إلى براغماتية المناصب


🇲🇦

في وقت كانت فيه الساحة السياسية المغربية خلال العقود السابقة تغلي بصراعات إيديولوجية حادة بين اليسار التقدمي، والإسلام السياسي، والقوى الليبرالية، أصبحت اليوم تعاني من فراغ فكري واضح وتآكل كبير في المرجعيات الحزبية. ومع توالي المحطات الانتخابية، أصبح من الصعب فعلاً الحديث عن مشهد سياسي مغربي قائم على اختلافات فكرية واضحة أو مشاريع مجتمعية متمايزة.

🔄 تحولات ما بعد التوافق السياسي

شهد المغرب، خصوصاً بعد بداية العهد الجديد في أواخر تسعينيات القرن الماضي، مرحلة من التوافق السياسي الذي أسفر عن مشاركة واسعة للأحزاب في تدبير الشأن العام، سواء عبر حكومة التناوب أو من خلال التحالفات المتكررة. هذا المسار التوافقي، وإن كان مفيداً في استقرار التجربة الديمقراطية، أدى في المقابل إلى تمييع الخطوط الإيديولوجية بين الأحزاب، حيث أصبح الهم الأكبر هو التموضع ضمن الأغلبية، وليس الدفاع عن مشروع مجتمعي واضح.

يسار فقد البوصلة

الأحزاب اليسارية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كانت تحمل مشروعا مجتمعياً تقدمياً مبنياً على العدالة الاجتماعية والحداثة. إلا أن مشاركتها المتكررة في الحكومات، وخصوصاً خلال فترة التناوب (1998)، دفعها إلى تبني سياسات أقرب إلى الليبرالية مما أضعف خطابها التقليدي، وجعلها تفقد جزءاً كبيراً من قاعدتها الجماهيرية، خاصة الشباب والطبقة العاملة.

الإسلاميون… التكيّف مع الدولة

أما حزب العدالة والتنمية، الذي كان يُمثّل تيار “الإسلام السياسي الإصلاحي”، فقد عرف هو الآخر مساراً طويلاً من التكيّف مع منطق الدولة والمؤسسات، بلغ ذروته خلال فترة توليه رئاسة الحكومة (2011–2021). فخلال هذه الفترة، خفّف الحزب من خطابه الديني لصالح تبنّي سياسات اقتصادية واجتماعية شبيهة ببرامج خصومه السياسيين، إلى أن فقد تدريجياً “تميّزه الإيديولوجي”، وهو ما انعكس في الهزيمة الساحقة التي مني بها في انتخابات 2021.

أحزاب الوسط… الغلبة للخطاب التقني

أحزاب الوسط مثل التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والتي لم تكن أصلاً ذات خلفيات فكرية صلبة، وجدت نفسها في موقع مريح لتقديم نفسها كأحزاب “تقنية” تركّز على التدبير والحكامة، وتتجنب الاصطفاف الإيديولوجي. هذه المقاربة، رغم فعاليتها الانتخابية أحياناً، تجعل من الصعب تمييز هذه الأحزاب من حيث التصور المجتمعي أو المرجعية الفكرية.

لماذا تراجعت الإيديولوجيا؟

هناك عدة عوامل تفسّر هذا التراجع:

  • البراغماتية الانتخابية: التركيز على كسب الأصوات بأي وسيلة، ولو على حساب الهوية الفكرية.
  • ضعف التأطير السياسي: الأحزاب لم تعد تنتج نخباً مؤطرة فكرياً، بل تعتمد على وجوه انتخابية ظرفية.
  • انهيار الثقة الشعبية: الناخب لم يعد يربط اختياراته بالمرجعيات الإيديولوجية بل بـ”الجدوى” المباشرة.
  • تحولات الدولة نفسها: المغرب دخل في مسار إصلاحات كبرى منذ دستور 2011، تراجعت معه الحاجة إلى “معارضة إيديولوجية” لصالح الإجماع حول قضايا كبرى مثل التنمية، الجهوية، النموذج التنموي الجديد.

نحو مشهد سياسي بلا بوصلة؟

أمام هذا المشهد، يبدو أن المغرب مقبل على مرحلة سياسية تطغى فيها البراغماتية على القناعة، ويغيب فيها المشروع المجتمعي الواضح لصالح شعارات تقنية وعامة حول “التنمية” و”المواطنة” و”دعم الطبقة الوسطى”. وإذا لم تجد الأحزاب طريقاً لتجديد فكرها السياسي وإعادة الاتصال بجمهورها على أسس واضحة، فقد يستمر الانكماش السياسي وتراجع المشاركة الشعبية.

✍️ في الختام

يبقى السؤال المطروح: هل نحن أمام نهاية “الأحزاب الإيديولوجية” في المغرب؟ أم أن هذه المرحلة هي فقط تحول مؤقت في انتظار بروز تيارات جديدة أكثر جذرية وتماسكاً؟
في جميع الحالات، التجديد الحزبي لن يكون ممكناً دون ثورة فكرية داخلية تعيد ربط السياسة بالمعنى، وليس فقط بالمقعد كما تعيد للمواطن التقة و للمنتخب الشرعية.


Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button