الدقة الرودانية.. إيقاع سوسي أصيل يستحق التعريف به

في الوقت الذي تقدم فيه بعض الفنادق السياحية بمدينة أكادير لضيوفها فرقاً فنية تحت اسم الدقة المراكشية، يجدر التذكير بأن هذا الفن في أصوله يعود إلى مدينة تارودانت، عاصمة السعديين وواحدة من أبرز الحواضر التاريخية في سوس، التي لا تبعد سوى 80 كيلومتراً عن أكادير.
ومن منطلق التعريف بالهوية الحقيقية لهذا التراث، نعرض لمحة عن الدقة الرودانية، باعتبارها النبع الأصلي لهذا الفن الإيقاعي المميز، لعل المؤسسات السياحية والمجلس الجهوي للسياحة يعيدون تقديمه لجمهورهم على أنه فن سوسي أصيل.
جذور تاريخية ضاربة في القدم
تُعد الدقة الرودانية من أبرز الفنون الشعبية الجماعية في سوس، تقوم على إيقاعات الطبول و”البنادر” وآلات النفخ التقليدية، مع تدرج موسيقي يبدأ ببطء ثم يتسارع حتى يبلغ ذروته في أجواء احتفالية صاخبة.
توارث سكان تارودانت هذا الفن عبر الأجيال، وكان جزءاً أساسياً من الأعراس والمواسم الدينية والمناسبات الكبرى التي تجمع القبائل، ما جعله رمزاً من رموز الفرح الجماعي في المنطقة.
ملامح خاصة وهوية بصرية
تتميز الدقة الرودانية بتناغم واضح بين العازفين ودقة في توزيع الأدوار، إضافة إلى التدرج الصارم في الإيقاع، من “التقيتقات” البطيئة إلى الإيقاع السريع المحفّز على المشاركة بالغناء والزغاريد.
أما أزياء المؤدين، فتكون غالباً جلابيب بيضاء أو ملابس تقليدية سوسية، ما يمنح العرض بعداً بصرياً يعكس الهوية الثقافية للمدينة.
من تارودانت إلى مراكش.. رحلة انتقال الفن
مع موجات الهجرة الداخلية في القرن العشرين، حمل أبناء تارودانت فنهم إلى مراكش، حيث اندمجت الدقة الرودانية مع البيئة الفنية المحلية، لتشتهر لاحقاً باسم “الدقة المراكشية”. ورغم هذا الاسم، يؤكد باحثون وفنانون أن البنية الإيقاعية والأساس الفني لهذا اللون تعود في الأصل إلى تارودانت.
تراث مغربي يوحّد الإيقاعات والقلوب
انتشار الدقة من سوس إلى باقي المدن يبرهن على قدرة الفنون الشعبية المغربية على تجاوز الحدود الجغرافية وتشكيل هوية مشتركة. واليوم، سواء سُمّيت “رودانية” أو “مراكشية”، تظل فناً مغربياً أصيلاً يوحد الناس على إيقاع الطبول ودفء اللقاءات.
لكن من الإنصاف والوفاء للتاريخ أن تُقدَّم في فنادق مراكش باسمها المحلي، وأن تُقدَّم في فنادق أكادير باعتبارها الدقة الرودانية، احتفاءً بجذورها السوسية العريقة.