ظهير السلطان الحسن الأول سنة 1879.. وثيقة تؤكد السيادة المغربية على سوس والصحراء
في خضم الجدل المتجدد حول تاريخ السيادة المغربية على الصحراء، تظهر من جديد وثائق نادرة تسلط الضوء على عمق العلاقة التي ربطت الدولة المغربية بمناطق سوس الأقصى ووادي نون والساقية الحمراء. من بين هذه الوثائق، يبرز الظهير الشريف الصادر عن السلطان الحسن الأول سنة 1296 هـ (1879 م)، الذي عيّن بموجبه الشيخ ماء العينين بن فاضل السوسي الصحراوي نائبًا له على قبائل سوس الأقصى وجنوبه، من بني عمران إلى الساقية الحمراء.
📜 وثيقة سياسية ودينية ذات دلالات عميقة
يُعد هذا الظهير من أبرز النصوص التي تجسد الشرعية التاريخية والسياسية للدولة المغربية في إدارة شؤون الصحراء. فقد نص صراحة على أن الشيخ ماء العينين بن فاضل السوسي الصحراوي يتولى نيابة السلطان على قبائل واسعة تمتد من سوس إلى الساقية الحمراء، بما يشمل المجال القبلي الممتد حتى الأطراف الجنوبية للمملكة.
السلطان الحسن الأول، الذي اشتهر بإصلاحاته الإدارية وإرساء نفوذ الدولة في الأطراف، أصدر هذا الظهير في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، اتسمت بتكاثر الأطماع الاستعمارية، وخاصة الإسبانية والفرنسية في الجنوب المغربي. وجاء هذا التعيين بمثابة رسالة سياسية واضحة للعالم آنذاك، مفادها أن هذه المناطق كانت جزءًا من الإيالة الشريفة وتخضع مباشرة لسلطة السلطان.
الشيخ ماء العينين.. العالم المقاوم ورمز الوحدة الترابية
الظهير يصف الشيخ ماء العينين بـ “الفقيه سيدي بن فاضل ماء العينين السوسي الصحراوي”، وهي صيغة فريدة تُبرز الانتماء المزدوج للرجل: سوسي الأصل، صحراوي المجال، مغربي الهوية.
وقد عُرف الشيخ ماء العينين لاحقًا كأحد أعظم رجال الدين والسياسة في المغرب الحديث، إذ أسس زاوية كبرى في السمارة، وحشد القبائل للدفاع عن استقلال البلاد ومقاومة التغلغل الأجنبي.
هذا التعيين السلطاني لم يكن مجرد تكليف إداري، بل كان اعترافًا رسميًا بمكانة الشيخ العلمية والجهادية، وتفويضًا له لتنسيق شؤون تلك الجهات باسم السلطان، مما يؤكد أن الدولة المغربية كانت تمارس سيادتها الفعلية على كامل ترابها الجنوبي.
من سوس إلى الساقية الحمراء.. وحدة جغرافية وسياسية موثقة
ينص الظهير بوضوح على امتداد حدود النيابة السلطانية من بلاد بني عمران إلى وادي نون إلى الساقية الحمراء إلى منتهى العمارة، وهو ما يتطابق جغرافيًا مع المجال الترابي للصحراء المغربية اليوم.
كما يرد في النص تعبير “من إيالتنا لتلكم البلاد نائبها أمر الله بأمرنا”، مما يقطع الشك باليقين أن تلك المناطق كانت تابعة إداريًا للسلطان المغربي وليست خارج سلطته كما يروج البعض.
وثيقة مغربية في مواجهة الدعاية الانفصالية
في ضوء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، تكتسي هذه الوثيقة قيمة قانونية وتاريخية كبيرة، إذ تُثبت أن الصحراء لم تكن يومًا “أرضًا بلا سيد”، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من الدولة المغربية منذ قرون.
ويعتمد الباحثون والمؤرخون المغاربة والأجانب على مثل هذه الظهائر لإثبات البيعة والولاء الديني والسياسي الذي جمع بين السلاطين العلويين وسكان الصحراء.
خاتمة
إن ظهير السلطان الحسن الأول سنة 1879 لا يُعد مجرد وثيقة إدارية، بل هو صفحة مشرقة من تاريخ السيادة المغربية، وشاهد على وحدة الأرض والإنسان من سوس إلى الساقية الحمراء.
وهو أيضًا تذكير للأجيال بأن المغرب، على مرّ العصور، كان دائمًا كيانًا موحدًا بفضل ارتباط العرش بالشعب، والدين بالوطن، والسلطة بالعلم.
.




