Uncategorized

سياسة اليد الممدودة .. ما قبلها وما بعدها


بقلم: عبد الهادي مزراري
مباشرة بعد الخطاب الملكي بمناسبة الذكى 26 لعيد العرش، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، توالت ردود الفعل داخل المغرب، خاصة في الشق المتعلق بالعلاقات مع الجزائر. وتلقى مغاربة إعلان جلالة الملك من جديد مد يد السلام إلى الجزائر، باستغراب في الوقت الذي لا يتوقف النظام الجزائري عن شن حملاته المسعورة ضد المغرب، ملكا وحكومة وشعبا.
وازداد استغراب قسم من الرأي العام المغربي بسبب رفض النظام الجزائري مبادرات سابقة لليد الممدودة وضرب بها عرض الحائط، كما رفض حتى وساطات دول عربية وإفريقية دعت الحكام الجزائريين بطيب خاطر للجلوس إلى طاولة الحوار مع المغرب.
ومما زاد أيضا من استغراب مغاربة إصرار جلالة الملك محمد السادس في خطابه يوم أمس التأكيد على تطبيع العلاقات مع الجزائر من بوابة اليد الممدودة، كون المغرب هو المنتصر في المعركة الدبلوماسية، وهو من حقق انتصارات مشهود بها على دول كبرى كانت تفضل السباة في المنطقة الرمادية، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا، وفي الأخير خضعت لسياسة الأمر الواقع، واعترفت بسيادته على الصحراء، وهي الآن تسير في ركب دول أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي وبلدان كثيرة عبر المعمور تؤيد الوحدة الترابية للمغرب، فلماذا كل هذه المرونة مع الجزائر؟ كما تتساءل نسبة كبيرة من المواطنين المغاربة.
كل المعطيات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية والأمنية تسمح للمغرب بأن يكون له موقف أكثر صلابة ضد النظام الجزائري، الذي يأوي جبهة انفصالية ويدعمها بالمال والسلاح منذ خمسة عقود، وهو متورط في نزاع الصحراء من أخمص قدميه حتى رأسه.
للإجابة على كل التساؤلات المطروحة يجب أخذ المعطيات التالية بالحسبان:
اولا: يتعلق الأمر بالملكية وبالملك، ومن عادة ملوك الدولة العلوية منذ نشأتها قبل أزيد من اربعة قرون، ليسو دعاة حروب، وإن كانوا على أشد الاستعداد للقتال من غيرهم.
ثمة عبارة مأثورة تقولى”حتى يغلب خيري على شره”، وهي لأحد أعظم سلاطين العلويين وهو الحسن بن القاسم.
فالملك محمد السادس كان يوم أمس في ثوب سلطان “غلب وعفا”، متجاوزا كل الحقارات القادمة من الجارة الشرقية بأفعالها وأقوالها، متطلعا إلى الغد بقلب سليم وعيون متفتحة على ما هو أفضل للجميع.
ثانيا: إن الجغرافيا هي العنصر الدائم في السياسة، فمهما فعل المغرب لن يغير موقعه الجغرافي. والجوار بين الدول إما يكون مصدرا للاستقرار والتطور والقوة، وإما يكون مصدرا للفتنة والتخلف والضعف، بينما الملك محمد السادس يختار ان يكون الجوار مع الجزائر من الصنف الثاني وليس العكس.
ثالثا: هناك العامل “الشعبي” بين البلدين، فالقيادات تتغير والشعوب تبقى، والملك محمد السادس كان يتحدث يوم امس عن الشعبين المغربي والجزائري، برؤية مستقبلية استحضر فيها مشروع الاتحاد المغاربي والآفاق العظيمة التي يفترض أن يكون البلدان ومعهما دول المنطقة على موعد معها في القادم من الزمن.
رابعا: المعطى الجيو سياسي الجديد، حيث أن الملك فضل استعمال أدق التعابير اللينة بجعل النظام الجزائري يشعر بالراحة التي يريدها، تاركا له ماء نقيا لغسل وجهه. فحتى هذه اللحظة كل الدول، التي كانت ترقص معه على حلبة دعم المشروع الانفصالي ضد المغرب نزلت من خشبة المسرح، ونزلت معها حتى الدول التي كانت تقف في المنطقة الرمادية، وبقي النظام الجزائري وحده.
خامسا: ثمة مبادرة أمريكية باتجاه النظام الجزائري للانخراط بسلاسة في الواقع الجيو سياسي الجديد بالمنطقة.
يمكن اعتبار هذه المبادرة آخر فرصة للنظام الجزائري يجري عرضها عليه في طابق من ذهب، كما تفسر ذلك زيارة مسعد بولس مبعوث الرئيس ترامب إلى الجزائر ، فبل أيام قليلة، وكانت عبارة البيان الذي تلاه بولس أمام باب القصر الرئاسي المرادية، ترفع القبعة للنظام الجزائري وإيلائه ما يستحق وما لا يستحق من عبارات ومفردات كتبتها له الخارجية الأمريكية بعناية حتى لا يزيغ عن السياق.
سادسا: في هذا السياق وفي تناغم مع خطاب الدعوة للركون إلى الحل المنطقي وقبول المقترح المغربي، استمر جلالة الملك محمد السادس في إرساء سياسة اليد الممدودة، عسى أن يكون هناك في الطرف الآخر من يستقبلها بقلب سليم وعيون متفتحة على الوقائع والمتغيرات، التي تجاوزت بكثير النظام الجزائري وحساباته الخاسرة ومغامرته المهلكة التي لخصها الرئيس الجزائري تبون بقول سواء كان بوعي أو بغير وعي “خسرنا مال قارون في طريق دعم البوليساريو”.
ختاما، وما بعد هذه اليد الممدودة، إذا لم يلتقط النظام الجزائري الإشارات التي يتلقاها من حوله سواء داخل المنطقة أو تلك الآتية من وراء البحار، فسوف يضيع فرصة لن يحصل عليها في ما بعد، سيضيع منه حبل النجاة، إنه آخر امتحان له في مادة البوليساريو، ولن تكون هناك دورة استدراكية، والفرصة سانحة ولن تعود، لقد مشى خمسين عاما في هذا الطريق ويعرف ماذا كسب منه.
طابت أوقاتكم

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button