Uncategorized

“رابطة الخيام: حين وُلد الأمل من رماد التهميش”

حسن كرياط

في قلب مدينة أكادير، وعلى هامشها الجغرافي والاجتماعي، هناك حي يُدعى “حي الخيام”، لا يُعرف في دفاتر المخططات الحضرية إلا كرقعة قصديرية، تسكنها الهشاشة وتُطوِّقها نظرات التهميش واللامبالاة. حيٌ، لا تذكره المدينة إلا حين تندلع النيران أو حين تُقرع طبول الكارثة.

في ذلك الحي، كنا صغارًا لا نعرف من العالم سوى ركلات كرة بلاستيكية فوق تراب قاحل، أرضٌ لا تصلح حتى للزراعة، فكيف لها أن تُنبت الأحلام؟ كنا نعيش في واقع لا يرحم، تعليمٌ هش، وسكنٌ لا يقي من حرّ الصيف ولا برد الشتاء، وحيٌّ مهدد بانفجار اجتماعي تُغذّيه مظاهر الانحراف واليأس… كانت ملامح المستقبل باهتة، إن لم نقل معدومة.

لكن من بين أنقاض هذا الواقع المأزوم، وُلدت إرادة. إرادة صادقة، نابعة من غيرة دفينة على هذا الحي. لم تكن معنا موارد، ولا علاقات نافذة، فقط حلم صغير وكبرياء شباب رفضوا أن يكونوا ضحيةً لجغرافيا الظل. اجتمعنا ذات مساء، وكان القرار: التأسيس. تأسيس كيان مدني يحمل الحلم ويحرسه. وهكذا، أُعلن عن ميلاد جمعية رابطة الخيام للتربية والثقافة والأعمال الاجتماعية.

لم يكن اختيار الاسم عبثيًا، فقد كانت “الرابطة” هي الحبل الذي شدّ اختلافاتنا نحو وحدة الهدف، و”الخيام” هي الجذور، هي الحي الذي ننتمي إليه ونحمل اسمه رغم كل الصور النمطية. أردنا أن نكون الصوت الذي يكسر جدار الصمت، والنور الذي يشقّ عتمة هذا الحي المنسي.

كانت الانطلاقة شاقة، مثقلة بالإكراهات والتحديات، ولكن عزيمتنا كانت أصلب من الإسمنت، وأنقى من شعارات المناسبات. رفضنا أن نكون مجرد رقم في إحصائيات الفقر، واخترنا أن نكون صناعًا لحكاية مختلفة. فبدأنا بخطوات صغيرة: أنشطة ثقافية، ورشات تربوية، أعمال اجتماعية… ثم شيئًا فشيئًا، بدأ الحي يُعيد اكتشاف نفسه من خلالنا.

واليوم، وبعد سنوات من العمل التطوعي، أصبح لحي الخيام ما يفتخر به: طاقات شابة، أطر مبدعة، فنانين ومثقفين، ووعيٌ جمعي يُقاوم التهميش بالفعل لا بالشعارات. لم يعد “الخيام” حيًّا للتقارير السوداوية، بل صار نموذجًا يُحتذى، وعنوانًا لتحوّل بدأ من القاع وارتقى بسواعد أبنائه.

إن جمعية رابطة الخيام ليست مجرد تنظيم مدني، بل هي مدرسة للحياة، علمتنا كيف نحلم رغم الألم، وكيف نبني رغم غياب الإمكانيات، وكيف نحافظ على جوهرنا في زمن الاستهلاك والهشاشة.

كل الشكر والعرفان لكل من ساهم، ولو بكلمة، في بناء هذا الصرح الجمعوي النبيل. أنتم من منحتم للحلم جناحين، وللحي كرامته. فلا ينكر الفضل إلا جاحد، ولا يُقلّل من نوركم إلا من أعمته الغيرة.

رابطة الخيام ستظل شاهدة على أن من رحم التهميش، قد يولد ما يُدهش المدينة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button