دور التحالفات الإستراتيجية في تعزيز الدفاع المغربي بالصحراء: بين التاريخ والتطور التكنولوجي
✍️ بقلم: مولاي محمد بن عيسى بوزرود
منذ اندلاع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية عقب استرجاعها من الاستعمار الإسباني سنة 1975، وجد المغرب نفسه في مواجهة محور إقليمي معادٍ يضم الجزائر وليبيا وبعض الأنظمة العربية اليسارية آنذاك، مدعومًا بعناصر من كوبا والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بقيادة جورج حبش، التي شاركت أيديولوجيًا وإعلاميًا في دعم جبهة البوليساريو.
ورغم اختلال موازين القوى في بدايات الحرب، استطاع المغرب أن يحقق تحولًا إستراتيجيًا في مسار المواجهة، بفضل الرؤية الثاقبة للملك الراحل الحسن الثاني، مبدع المسيرة الخضراء المظفرة، و الذي أدرك مبكرًا أن المعركة ليست فقط عسكرية، بل تقنية ولوجستية ومعلوماتية كذلك.
مشروع الحزام الأمني.. عبقرية دفاعية مغربية
بين سنتي 1980 و1987، أطلق المغرب مشروعًا دفاعيًا غير مسبوق في القارة الإفريقية، تمثّل في بناء “الحزام الأمني” أو ما يُعرف بالجدار الدفاعي، بطول يفوق 2700 كيلومتر، مجهز بأنظمة مراقبة متطورة ورادارات وألغام دفاعية، مكنته من تقليص الخسائر العسكرية وتأمين مراكز العمران والموارد الحيوية بالصحراء.
هذا الجدار الذي صُمم في ست مراحل متتالية، جسّد عبقرية مغربية في التخطيط الدفاعي، ونجح في تحويل موازين الحرب ميدانيًا لصالح القوات المسلحة الملكية، إذ حصر تحركات الميليشيات الانفصالية في مناطق محدودة من عمق الصحراء الشرقية.
دور الحلفاء التقنيين في دعم المغرب
تُشير عدة تقارير دولية وتحليلات إستراتيجية إلى أن المغرب، خلال سنوات الحرب الباردة، استفاد من تعاون تقني واستخباراتي متنوع مع عدد من الدول الغربية والآسيوية. وقد تمثل الدعم في مجالات الرصد الإلكتروني، والهندسة الميدانية، وأنظمة الدفاع، دون أن يكون ذلك تحالفًا سياسيًا معلنًا بالضرورة.
وفي هذا السياق، تذكر بعض المصادر الغربية أن المغرب تلقى، في فترة الثمانينات، دعماً تقنياً من بعض الخبراء الأجانب في مجالات الاتصالات العسكرية وأنظمة الرادار المتقدمة، وهو ما ساهم في تحسين فعالية الجدار الأمني.
ورغم تداول تقارير إعلامية عن دور إسرائيلي تقني في بعض مراحل الدعم الدفاعي، فإن هذه المعطيات لم تُؤكد رسميًا من أي جهة مغربية أو إسرائيلية، مما يجعلها في خانة التعاون الأمني غير المعلن الذي كان يميز العلاقات الدولية في تلك المرحلة الحساسة.
🌍 من السرية إلى العلنية: التحول في العلاقات المغربية – الإسرائيلية
اليوم، بعد استئناف العلاقات الرسمية بين المغرب وإسرائيل سنة 2020، لم تعد مجالات التعاون محصورة في السر أو مقتصرة على الجانب الأمني، بل امتدت لتشمل الابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي والدفاع السيبراني، وهو ما يُظهر نضج الرؤية المغربية في التعامل مع التحالفات الدولية من منطلق المصلحة الوطنية و التأكيدعلى مسألة رابح رابح .
فالمغرب، في سعيه لتقوية قدراته الدفاعية وتحصين أمنه القومي، يعتمد على تعددية الشراكات، دون التفريط في مبادئه أو مصالحه العليا، واضعًا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
ختامًا: الذاكرة لا تُمحى
لقد مر المغرب من محطات عصيبة في مسار استكمال وحدته الترابية، لكنه خرج منها أكثر قوة وتماسكًا بفضل التفاف الشعب حول العرش وثقته في المؤسسة العسكرية.
ومن يلوم المغرب اليوم على قراراته السيادية في بناء تحالفاته، عليه أن يستحضر دروس التاريخ، حين تُرك المغرب وحيدًا في وجه عدوان شامل، ولم يجد سوى بعض الأصدقاء الذين آمنوا بعدالة قضيته و صوتوا اليوم لصالحه.
إن الدبلوماسية المغربية اليوم، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، تمارس براغماتية متزنة تُوازن بين الانفتاح على الحلفاء الجدد والحفاظ على ثوابتها الوطنية، في مقدمتها الدفاع عن وحدة التراب المغربي من طنجة إلى الكويرة.




