“صراع الصلاحيات” بين وزارة السكوري ومكتب التكوين المهني.. من المسؤول عن تأخر منح المتدربين؟
فجر مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT) أزمة غير مسبوقة في علاقته بالوزارة الوصية، بعدما أصدر بلاغاً شديد اللهجة نسف فيه رواية وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، حول ما وصفه بـ“الإصلاح الإداري العميق” في عملية تدبير منح المتدربين.
فبينما أكد الوزير في خرجاته الإعلامية الأخيرة أن “تدبير المنح تم انتزاعه من المكتب بسبب تأخره في معالجة اللوائح”، رد المكتب بقوة معتبراً أن هذا الكلام “يتنافى مع الحقيقة والوثائق الرسمية”، وأن الوزارة تحاول تحميله أخطاء تعود في الأصل إلى “تأخر التحويلات المالية والمصادقة على اللوائح من طرفها”.
🔸 المكتب يضع النقاط على الحروف
وأوضح المكتب أنه منذ سنة 2017، تولى بشكل طوعي تدبير منح المتدربين باتفاق مع الوزارة، واضعاً نفسه في خدمة الشباب ومؤسسات التكوين، قبل أن يجد نفسه اليوم في موقع “كبش فداء” لتبرير إخفاقات إدارية ومالية لا يتحملها.
وأكد أن عملية صرف المنح تمر عبر خمس مراحل دقيقة، تبدأ بتوصل المكتب بلوائح المستفيدين من الوزارة، وتنتهي بتحويل الغلاف المالي إلى المتدربين. غير أن التأخير الدائم في هاتين المرحلتين، وفق البلاغ، هو السبب الحقيقي وراء تعثر الملف.
وكشف المكتب أن الوزارة لم تقم بأي تحويلات مالية بين سنتي 2018 و2022، ما اضطره إلى تمويل المنح من موارده الذاتية، حفاظاً على مصلحة المتدربين، إذ بلغت القيمة الإجمالية للمنح المصروفة 968 مليون درهم، منها 296 مليون درهم من ميزانية المكتب الخاصة.
🔸 رد قوي على كلمة “الانتزاع”
وفي رد مباشر على تصريح الوزير الذي تحدث عن “انتزاع” تدبير المنح من المكتب، شدد البلاغ على أن الكلمة “غير دقيقة ومسيئة”، مبرزاً أن المكتب نفسه هو من طلب تفويض هذه المهمة بعد أن تحولت العراقيل الوزارية إلى مصدر تشويه لصورة المؤسسة أمام الرأي العام.
كما أوضح أن الوزارة لم يسبق لها أن وجهت أي ملاحظات رسمية أو تقارير نقدية حول تدبير المنح طيلة السنوات الماضية، ما يجعل تصريحات الوزير – حسب البلاغ – “محاولة للهروب من المسؤولية السياسية عن تراكمات تأخر التمويل والمصادقة”.
🔸 تأخر الميزانية ومشاريع متوقفة
ولم يتوقف المكتب عند قضية المنح، بل فتح ملفاً آخر يتعلق بالميزانية السنوية، مؤكداً أنه لم يتوصل إلى حدود 7 نونبر 2025 بأي دفعة مالية من الغلاف المخصص له والبالغ 1.5 مليار درهم، رغم المصادقة على الميزانية منذ شهر أبريل الماضي.
هذا التأخر، يضيف البلاغ، تسبب في شلل إداري حقيقي أثر على مشاريع استراتيجية كبرى، من بينها خارطة الطريق لتطوير التكوين المهني ومشروع مدن المهن والكفاءات، وهو المشروع الملكي الذي عرف بدوره توقفاً دام 14 شهراً بسبب تأخر عقد لجنة القيادة.
🔸 مشروع ملكي تحت الضغط
ولولا التدخل الاستثنائي لرئيس الحكومة، الذي منح ترخيصاً خاصاً لاستئناف الأشغال، لاستمر الجمود، حسب البلاغ، لكن بفضل هذا القرار تم استكمال الإنجاز وافتتاح مدن جديدة في الداخلة ومراكش وكلميم، تأكيداً على الإرادة الملكية الرامية إلى النهوض بتكوين الشباب وتأهيل الكفاءات الوطنية.
🔹 بين روايتين.. من يملك الحقيقة؟
بين الرواية الرسمية للوزير، التي تتحدث عن “إصلاح إداري وشفافية جديدة”، ورواية المكتب، التي تضع الوزارة في قفص الاتهام، تتكشف أزمة ثقة داخل واحدة من أهم مؤسسات التكوين في المغرب، ما يعيد طرح السؤال حول من يتحمل فعلاً مسؤولية تأخر المنح والمشاريع؟
المراقبون يرون أن القضية تتجاوز مجرد خلاف إداري، لتكشف عن خلل في التنسيق بين الوزارة ومكتب التكوين المهني، في وقت يحتاج فيه الشباب المغربي إلى وضوح وتدبير ناجع يضمن استمرارية الدعم والتكوين، بعيداً عن تبادل الاتهامات.




